ما جري بالأمس في ساحات وشوارع أكبر دولة عربية تضع حاكم مصر الأول أمام استحقاق لا مفر من دفعه ، وتضع كامل الذاكرة السياسية والمؤسسية أمام مسؤوليتها الجسيمة، ،ذلك أن المنطلق الذي كان سببا في إزالة النظام السابق يتكرر بزخم أكبر من خلال الحراك الشعبي الذي منح الشرعية سابقا ، وله أن يجددها الآن. لست هنا في وارد تقييم العثرات والإخفاقات التي تسارعت خلال مدة زمنية قصيرة في مصر ، لكني أرى بعين اليقين إن متواليات الربيع العربي فتحت الأبواب والنوافذ لأسئلة قلقة، وأعادت الجميع إلى المربع الأول الذي يبدو كما لو أنه زلزال مرتد لا نستطيع استكناه استتباعاته، ومعرفة مآلاته . ها هو مكر التاريخ ينبري مجددا، لنستعيد مقولات علماء التاريخ والاجتماع الكبار،إبتداء من ابن خلدون ، مرورا بكارل ماركس ، ووصولا إلى جوستاف لوبون . لقد وقف هؤلاء جميعا أمام ظاهرة الانعطافات الكبيرة في المجتمعات البشرية ، ولاحظوا بعين الرائي العليم جبرية هذه الظاهرة النابعة من مقدمات سابقة عليها، تحولت بالتتابع إلى ضرورة تختزل الصدف والمفاجآت ، وما حدث ويحدث في جمهوريات العرب المعاصرة يعيدنا إلى تلك المفاهيم والرؤى التي تستحق منا مراجعات واجبة ، واستقراءات مؤكدة . ماحدث بالأمس القريب في مصر واليمن وليبيا وسوريا وتونس بدا مقرونا بمعنى التاريخ وموجباته الجبرية التي تصعقنا فجأة كما لو أنها شرارة أحرقت سهلا كما قال ماوتسي تونغ ذات يوم بعيد من زمن الثورة الصينية العاتية . لكن ما يحدث اليوم يلتبس بأجندات ومقاربات واستراتيجيات إقليمية ودولية ، فالمفاجأة التي ترافقت مع الطور الأول لربيع العرب الكابي لم تعد واردة ، وترك الساحات لداخل الأوطان وموجبات توازناتها لم يعد ممكنا ، ولنا في الحالة السورية الكثير الكثير من العبر . لقد تنبهت القوى الكبرى لمعادلات التغيير واحتمالاتها العصية على التوقعات المسبقة، ولهذا السبب نجد أنفسنا أمام موجات عاتية من الغرائب ، وحالات متفلتة من الخطاب ، وقدر كبير من الهرج والمرج . ما حدث في مصر العربية ستكون له آثار كبيرة على المنطقة العربية ، وسنرى مجددا كيف يعصف التاريخ بالمألوف والثوابت كما حدث في تواريخ الامبراطوريات والدول والممالك . [email protected] رابط المقال على الفيس بوك