ما حدث ويحدث، في قرقيزيا، خير دليل على الخيبات والأزمات، التي ترثها الشعوب من جراء الفشل السياسي للنخب الحاكمة، فهذه النخب، لا تنتهي مفاعيل سلوكاتها وخرائبها، بمجرد انتهاء النظام، بل إنها تستمر في حضورها السلبي حتى بعد أن تغادر السلطة، وكأنها تقول للقاصي والداني: “أنا ومن بعدي الطوفان”، وفي يقيني، أن الرئيس القرقيزي المخلوع والمطرود، يتباهى، الآن، في منطقة لجوئه السياسي، وهو يتابع الصدام العرقي الخسيس بين القرقيزيين والطاجيكيين، ذلك الصدام الذي يدلل على درجة الاحتقان المجتمعي، الموسوم بالفقر، والحيرة، وفقدان الحيلة والفتيلة، وهو دليل مؤكد على أن الوعي الاجتماعي للبشر، يأتي كنتيجة طبيعية للوجود الاجتماعي، كما قالها فيلسوف المادية التاريخية “كارل ماركس”، ذات لحظة ملهمة، في تتبعه لسياق تطور المجتمعات البشرية، وهو ذات الاستنتاج، الذي ذهب إليه عالم التاريخ والديانات “جوستاف لوبون”، وهو يستقرئ سلوك الفئات الرثة من الجماهير، ويشير بالبنان إلى درجة العدمية وعمى الألوان اللذين تصاب بهما الجماهير في ظروف الفقر. اشتعل الفتيل بين القرقيزيين والطاجيك، قبل أيام بسبب شجار بسيط بين شخصين، وإذا بتلك الشرارة المتواضعة تحرق سهلاً بكامله كما قال “ماوتسي تونغ”، ذات يوم، مستحضراً الحكمة الصينية، وبالاستتباع، تم الاعتداء السافر على الأقلية الطاجيكية التي وجدت نفسها مكشوفة أمام الهجمة المتعصبة الضارية للرعاع من القرقيزيين، فنزح البعض منهم إلى طاجيكستان المجاورة، وظل آلاف آخرون معلقين على الحدود الطاجيكية القرقيزية في ظل أحوال بائسة، وانتظرت اللجنة المؤقتة للإشراف على الأوضاع في قرقيزيا، مدداً سريعاً من موسكو، لكي تتمكن من ضبط الأوضاع، غير أن حسابات موسكو كالعادة بدت متأنية، وذلك عطفاً على الموروث المركب والعائم الذي تركه النظام السابق.. والشاهد، أن النظام السابق ترك قاعدتين عسكريتين، روسية وأمريكية، تتموضعان تناظراً في شمال الشرق، وشمال الغرب، كما ترك إرثاً سياسياً تصادميا،ً وقدراً كبيراً من الاحتقانات، ولهذه الأسباب مجتمعة، فضلت روسيا، أن يكون تدخلها مسيجاً باتفاق جماعي مع دول الجوار السوفيتية السابقة، وأن يتجه مباشرة لدعم اللجنة المؤقتة للحكم في قرقيزيا، باللوجستيات، حتى تتمكن من السيطرة على الأوضاع، وللحديث صلة.