لم تتأخر روسيا كثيراً، في مد النظام الجديد في قرقيزيا، بالمال والسلاح والمواد الغذائية، بما يمكن أن ينعكس مبا شرة على الأرض، ويؤدي إلى استشعار القرقيزيين بمعنى العلاقات التاريخية الخاصة مع روسيا وريث الاتحاد السوفيتي السابق. إن ما جرى ويجري في قرقيزيا، إشارة واضحة لمآلات الدول والشعوب التي تخرج من رحم أنظمة فاسدة ومدمرة، فقد حدث مثل هذا الأمر في الصومال، على إثر انهيار نظام الرئيس “محمد سياد بري” في الصومال، كما حدث في العراق، بعد انهيار نظام الرئيس صدام حسين. ومن فجائع الدهر وعجائبه، أن تعجز الولاياتالمتحدة عن ضبط الأوضاع في العراق، أو تقديم بديل منطقي وإيجابي، في إشارة أخرى، إلى أن قوة التاريخ أعتى وأكبر من العسكرية الأمريكية وهيمنة الدولة القطبية الوحيدة في العالم. استرجاع المسألة القرقيزية، تنطوي على سلسلة من الدلالات والاعتبارات، على المستويين العالمي والعربي. خاصة، وأن الأوضاع السائدة في المنطقة العربية تتشابه بهذا القدر أو ذاك مع الحالة القرقيزية، فالفساد يستشري في أغلب البلاد العربية، والأنظمة السياسية مصرة على التمسك بآليات استنفذت أسباب بقائها، وما يسمى بالجمهوريات العربية، تباعدت عند بعض الأنظمة عن مفهوم الفكر الجمهوري كابتعاد الثرى عن الثريا، والاستقطاب المالي يكرس الفوارق الطبقية القاتلة، والفئات الحيوية الوسطى تنحدر إلى مستويات الفقر الأسود وما دون ذلك، فيما يُتخم أغنياء الصدفة والتطفل بالمال الفاجر. تدرك النخب السياسية العربية القائمة على إدارة الأزمات بمنطق التأزيم، ودفع الاستحقاقات بمنطق الترغيب والترهيب، ومواجهة القضايا المطلبية المشروعة بالحديد والنار..، تدرك أن الخروج من شرنقة الاحتقان والبؤس، يعني الذهاب إلى الفوضى الشاملة، وهكذا تصبح المطالب بالتغيير موازية جداً لمشروع تقاتل أهلي، حيث يحق قول الشاعر العربي: ربّ يوم بكيت منه فلما جئت في غيره بكيت عليه هذا هو اليقين الميكيافللي، المدمر، الذي تعتمده النخب السياسية الخائبة، وتراهن عليه، متحدية نواميس التاريخ والجغرافيا، وضاربة عرض الحائط بحكمة الأرض والسماء.. قرقيزيا لا تختلف كثيراً عن بعض البلدان العربية، وما جرى فيه يمثل جرس إنذار لمن كان له قلب وعقل.