ليس فقط المهمشين يسكنون الصفيح وتحت متارس من الأحجار الصغيرة، ففي فج عطان “صنعاء” جنود يعيشون حياة المهمشين في اليمن، فبينما أنت تعبر من فج عطان في الجولة بالضبط ترى حماة الوطن وصمام أمانها وحصنها المنيع “الجُند” يعيشون حياة بائسة تهميشية في هذا الوطن الذي أصبح الرائد في تهميش أبنائه، حياتهم لا تمتّ إلى الإنسانية بأية صلة؛ ولا إلى الآدمية ولا إلى خزعبلات وهذيانات المتشدقين ببناء دولة مدنية حديثة ومواطنة متساوية، ففي اليمن وحسب لا يُحترم الجيش؛ بل يعتبر من الفئات المسحوقة والمقهورة. في مشهد تتفرّد فيه اليمن فقط يتم معاملة هذه الفئة الموكل إليها حماية الوطن والشعب معاملة ظالمة من كل النواحي من ناحية الراتب الذي لا يكاد يفي بمطالب أساسية لهم، ولا يكفي حتى للأسبوع الأول من الشهر يذوب راتبهم الزهيد بين إيجار وشراء مواد غذائية وتسديد فواتير ماء أو كهرباء ومصاريف مدارس..!. إضافة إلى ما يتعرّضون له من قبل أفراد الشعب غالباً؛ كيف لا وهؤلاء يرون ويلمسون تجاهل الحكومة لهم وهم يفترشون الجولات ومداخل المدن وكأنهم حيوانات، كيف سيحترم الشعب أبطال الوطن والدولة آخر همها هم، وكيف نتحدث عن دولة وشعب وسلطة وجيشها ومرهب أعدائها يعيش في حظائر وطن لم يعد يُحتَمل مطلقاً تحت حر الشمس والبرد والريح يقفون بصدورهم يسهرون لحماية هذا الشعب الذي لا يقدّم لهم الحد الأدنى من الاستحقاقات؟!. كل يوم تزيد الفجوة بين الجيش والشعب، وكل يوم يزداد الإحساس بالقهر والسحق المتعمد لهم، لهذا قد لا ألوم تخاذلهم ولا مبالتهم تجاه وطن لا يأبه بالأساس لهم، إزاء هذا الوجع الذي يسكنني تجاههم كتبت مقالي هذا رغم علمي أنني أخط خواطر محزنة. الشعوب تحترم جيوشها وتقدّرهم وهم الفئة المحضوضة، وفي اليمن هم العبوات الناسفة والأحزمة المفخخة التي تتفجّر وتنهي حياتهم لمجرد أنهم منتمون إلى السلك العسكري، أرواحهم أرخص الأرواح، يُقتلون في وضح النهار، تقصفهم عيارات المسلحين دون أي اكتراث من قبل الجهات المسؤولة، وما مجزرة السبعين إلا واحدة من معاناتهم، رحلوا في بروفات احتفال الوحدة، وتناثرت أشلاؤهم في ميدان السبعين «ميدان الستة والثمانين جندياً شهيداً» وفي موكب صامت وعدد غفير من أهاليهم المنكوبين والمتحّسرين على فلذات أكبادهم وأوجاع رفقائهم الذين باتوا على يقين أن هذه الدولة لا تعيرهم ولو جزءاً قليلاً من اهتماماتها، وفي ظل غياب الجهات المسؤولة شُيّعوا إلى مقابر النسيان دون تحقيقات جادة واهتمام من قبلها، وهكذا يفلت الجُناة دوماً من الحساب وحتى من الاتهام. كيف لا تختنق أبجديات الإحساس بالأمن والأمان وثمة هكذا وضع، وكيف لا ننتحب ونتوجّع ونحن نرى الذخيرة والسلاح أهم من حياة حاملها، فإذا استشهد أي مجنّد وفقد سلاحه منه فثمن سلاحه يُخصم من معاشه مهما بلغ ثمنه؛ لكن عندما تسقط أرواحهم لا حراك، لا تحقيق، لا إعادة النظر إلى رواتبهم أو من حيث مراجعة القوانين التي تحمي حقوقهم، وأيضاً النظر بعين الآدمية والكرامة لأماكن عملهم؛ لأن ذلك يعد واجهة الدولة، فلا تُحترم الدول ولا الشعوب التي لا تحترم جيوشها، لابد من الجلوس مع الداخلية والدفاع ومراجعة هذا الامتهان الواقع على مجندينا وجيشنا، ولابد من رفع الظلم عنهم فلم يعد الأمر مُحتملاً، أما إن كنتم ستنتظرون تلك الرصاصات الطائشة والموجّهة تختطف أرواحهم في وضح النهار أمام أعين الجميع في الجولات ومداخل المدن ومخارجها بل في كل مكان يتواجدون فيه فلا نملك إلا أن نقول لكم: الله أيها الجيش المقهور. شظايا روح: ترهقني ساعات التفكير بالغد، وتختنق أمنياتي بعد تعسّرها البائس في مخاض يتكرّر كل يوم لحمل كاذب. رابط المقال على الفيس بوك