عاش اليمنيون في تعايش وانسجام مذهبي على مدى سبعة قرون من الزمن، وعلى الرغم من الثورات الاجتماعية والاضطرابات السياسية التي كانت تظهر بين الحين والآخر؛ إلا أن كُتّاب التاريخ ورواته لم يسجّلوا أحداث تشاجر حصلت في أي مسجد بين المذهب الزيدي والمذهب الشافعي أو المذهب الاسماعيلي؛ بل على العكس تشهد سجلات التاريخ أن اليمنيين عاشوا بسلام مذهبي؛ وكل منهم يحترم مذهب الآخر ويقبل به؛ لكن الذي حدث نهاية الاسبوع الماضي في صنعاء خيّب آمالنا في إمكانية استمرار التعايش المذهبي، حيث أقدمت مجاميع من أتباع الحركة الحوثية بالتهجم على المصلين في عدد من المساجد بأمانة العاصمة في محاولة لمنعهم من صلاة التراويح بحجة أن صلاة التراويح «بدعة» ما أنزل الله بها من سلطان!!. والحقيقة أن هذا المشهد التشاجري الدموي سيفتتح مشاهد دموية أخرى قاتمة على أساس الصراع المذهبي، وهذا ما كنّا نحذّر منه ونتحاشى وقوعه. والمشكلة هي أن هؤلاء الشباب الذين يجوبون الشوارع وهم مثل أصابع الديناميت الآيلة للانفجار في أي وقت، إنهم في حقيقة أمرهم ضحايا استراتيجيات تعبوية نفث فيها الشيطان بذرة سمومه وسيكونون هم وقود الصراع مستقبلاً. ومثل هذا الصراع المؤدلج إن حدث ستكون له آثاره المترتبة على المجتمع اليمني بشكل عام، حيث سيقوض شروط أمننا واستقرارنا على المدى البعيد. وإزاء هذا الصراع نجد أنفسنا أمام خطر قادم سيغتال أمننا واستقرارنا وما تبقّى لنا من حقوق المواطنة في هذا البلد، فإذا عدنا بذاكرتنا إلى الماضي؛ سنجد أن اليمنيين يصلّون التراويح على مدى ألف سنة؛ يصلّونها وفق مقتضيات الفقه الشافعي وأهل السُنّة والجماعة، في حين كان معتنقو المذهب الزيدي لا يؤدون صلاة التراويح، ولم يحدث أن تهجّم شباب الزيدية أو علماؤها على مصلّي التراويح على اعتبار أنها «بدعة» كما يقول أدعياء المذهب الزيدي حالياً. إن التعبئة الخاطئة دائماً لا تنتج إلا التعصب الأعمى، والتعصب لا ينتج إلا الشرور بكل أساليبها التدميرية ومظاهرها الدهماوية. فإذا سلّمنا أن المذهب «الحوثي» بمرجعياته الفقهية يعتبرون صلاة التراويح غير واجبة؛ فهذا لا يعني أنها باطلة أو «بدعة» تجب محاربتها؛ لأنها أولاً وأخيراً صلاة لله تعالى ليس فيها حضوراً لغير الله، فأي عقل وأي ضمير يجيز لهذا أو ذاك أن يحمل سلاحه ويتهجّم على المصلّين وهم آمنون في المساجد يؤدون الصلاة؟!. من جانب فقهي لا ندري كيف تكون الصلاة لله باطلة سواء أكانت سُنّة أم نافلة. ومن جانب آخر يحضرنا تساؤل: لماذا لا يقبل بعضنا ببعض؛ كلٌ منّا بثقافته ومذهبه، لماذا كل هذه العدائية ضد المختلف معك؟!. اندهشت قبل أعوام عندما زُرت مملكة البحرين وشاهدت في أحد الأحياء السكنية مسجدين متقابلين أحدهما مسجد معاوية والآخر مسجد علي، في مسجد معاوية تُقام صلاة الجمعة ويحتشد لها مئات المصلّين، وفي مسجد علي يحضر أفراد المذهب الشيعي يوم الجمعة كل منهم يؤدي صلاة الظهر بشكل فردي، ويذهب وكل يتقبّل بمذهب الآخر ويحترم حقه في المذهبية في مشهد يكاد ينبئ بطبيعة التناغم والانسجام المذهبي. ومن تاريخ اليمن يحكى أن علماء صعدة كتبوا رسالة إلى الإمام يحيى حميد الدين يعتبون عليه فيها سماحه تشغيل إذاعة تبث أغاني، فكتب لهم ردّاً في نفس الرسالة يقول لهم فيها: «إن المسألة خلافية، فمن أحلها أحلت له، ومن حرّمها حُرّمت عليه». فلماذا لا نتعامل مع صلاة التراويح على أنها مسألة خلافية، ولماذا لا نقف ضد التعبئة المذهبية التي إذا انفجرت يوماً ما فإنها ستقوّض ما تبقّى لنا من شروط الأمن والاستقرار في هذا المجتمع..؟!. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك