شهدت الحركة السردية اليمنية العديد من التحوّلات بدءاً من ظهور أول عمل روائي على يد الأديب اليمني المهاجر أحمد عبيدالله السقاف الذي أصدر رواية “فتاة قاروت” في العام 1927م وروايته “الصبر والثبات” التي أصدرها في العام 1929م؛ غير أن البدايات المبكّرة التي تسجّلها أعمال السقاف السردية لم تؤسّس ربما لبدايات حقيقية للحركة السردية اليمنية للظروف الزمانية والمكانية التي أصدر فيهما السقاف روايتيه في اندونيسيا بعيداً عن المشهد الثقافي اليمني وتفاعلاته الحقيقية التي شهدتها حاضرة الثقافة والأدب اليمني مدينة عدن والتي شهدت الولادة الأهم لرواية «سعيد» في العام 1940م لأحد رواد الأدب اليمني في العصر الحديث الأديب محمد علي لقمان؛ غير أن أهم ما يميّز الحركة السردية اليمنية وعلى وجه الخصوص في مرحلة التأسيس هو طابع الإنجاز الفردي لها بعيداً عن كونها حركة مكتملة الأركان والشروط، حيث كانت تظهر العديد من الأعمال السردية على شكل ومضات متباعدة لا تشكّل ظاهرة سردية أو جيلاً سردياً؛ غير أن تضافر العديد من العوامل وعلى رأسها الحركة الوطنية اليمنية التي نشأت في عدن وازدهار الصحافة المطبوعة؛ كل ذلك أسهم إلى حد كبير في تطوير الحركة السردية ونموّهاً في منتصف القرن العشرين مع بروز العديد من الأدباء الذين أسهموا في إحياء ونهوض الثقافة اليمنية، وقد ظهر في هذه المرحلة أدباء سرديون بارزون أمثال حسين سالم باصديق ومحمد سعيد مسواط، وصدرت أول مجموعة قصصية يمنية لصالح الدحان تحت عنوان “أنت شيوعي” عام 1957م، وأصدر أحمد محفوظ عمر مجموعته «الإنذار الممزق» عام 1960م، وأصدر عبدالله سالم باوزير مجموعته «الرمال الذهبية» عام 1965م، ونشرت صحيفة “فتاة الجزيرة” العديد من الأعمال القصصية. في الشمال أيضاً كانت الحركة السردية على صلة وثيقة بالصحافة والبواكير الأولى للحركة الوطنية، وقد أسهمت مجلة “الحكمة اليمانية” التي أسسها أحمد عبدالوهاب الوريث في خلق حالة سردية ونشرت أولى قصة هي “أنا سعيد” لأحمد البراق عام 1939م. وقد مثّل عقد السبعينيات بمثابة مرحلة النضج للإبداع السردي؛ فظهرت أعمال أدبية تتسم بالاكتمال الفني والانتماء الحميم إلى فن الأدب السردي قصة ورواية وتخلّص الإبداع السردي من الأسلوب الكلاسيكي الواعظ الذي اتسم به السرد اليمني في مرحلة البدايات، وطبعت أول مجموعة قصصية نسائية بعنوان «نبضات قلب» لشفيقة الزوقري في العام 1970م، وظهرت في هذه المرحلة أيضاً روايات “طريق الغيوم” لحسين سالم باصديق، و«الميناء القديم» لمحمود صغيري و«قرية البتول» لمحمد حنيبر، وشهدت هذه المرحلة ظهور أحد أبرز أعلام السرد اليمني على الإطلاق وهو القاص والروائي محمد أحمد عبدالولي الذي أثرى المكتبة السردية اليمنية والعربية بالكثير من الأعمال القصصية والروائية من أبرزها روايته الشهيرة «يموتون غرباء» الصادرة عام 1971م. ويُحسب لهذا الجيل أيضاً ظهور أول رواية نسائية من خلال رواية “القات يقتلنا” لرمزية عباس الإرياني الصادرة عام 1969م، و“ضحية الجشع” 1970م، وامتداداً لهذا الجيل ظهرت في الثمانينيات الرواية اليمنية الأشهر والأكثر ترجمة إلى لغات العالم وهي رواية “الرهينة” لزيد مطيع دماج، كما استعاد أدباء ينتمون إلى أجيال سابقة ألقهم؛ فظهرت لهم أعمال جديدة كما هو الحال مع عبدالله سالم باوزير الذي أصدر “سفينة نوح” و«عذراء الجبل» وصدرت “ربيع الخيال” و«مدينة الصعود» لمحمد مثنى، و«الإبحار على متن حسناء» لحسين سالم باصديق؛ غير أن جيل التسعينيات هو الجيل الذي جعل من فن السرد الأدبي فناً ذا مكانة في بلد لا صوت يعلو فيه فوق صوت الشعر، وظهرت عشرات الأسماء التي بات من العسير إحصاء ورصد نتاجاتها، وامتداداً لهذا الجيل وبه تطوّرت الحركة السردية في الألفين. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك