انتهى شهر رمضان المبارك، ودخل شهر شوال، وعاد الناس إلى أعمالهم، وهكذا عجلة الزمن تدور؛ كل يوم يمر فهو من أعمارنا، (فهل من مدّكر). قبل أيام كنا نردد ما نسمعه من أناشيد الأطفال وبقي في الذاكرة لم يمحَ بقولنا: أيها العيدُ مرحباً بكَ يا عيدُ من جديد أنت أقبلتَ زائراً فلبسنا لك الجديد ولازلنا نردد: أقبلت أيا عيد الفطر المبارك زائراً؛ لأنك أتيت بعد شهر مبارك، شهر تضاعفت فيه الحسنات، وزادت الأرباح الحسية والمعنوية، فربح من ربح وخسر من خسر، وتنوعت فيك الألبسة (ولباس التقوى ذلك خير). وجئت أيها العيد لتقول لنا بعد شهر مرّ كلمح البصر: إنما أنا فرحة للطائعين الذين استغلوا شهر رمضان في الخير والعمل الصالح والإيمان وتلاوة القرآن ففازوا بقبول الطاعات، ولم يقفوا عند ذلك الحد بل استمروا على ما كانوا عليه بعد انتهاء رمضان، وأنا حسرة لمن عصى الله تعالى، ومرّ عليه شهر رمضان وهو مازال على ذلك في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من الرذائل التي ستجعله لا يميز بين الحق والباطل وبين الصالح والطالح، وستنقله إلى الضياع والخسران والعياذ بالله!!. ولازلنا نتذكر رواية الإمام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عندما رؤي صباح العيد وهو يلبس لبساً خشناً ويأكل خبزاً خشناً، فقيل له يا إمام: صباح عيد ولبس خشن وخبز خشن، فقال: ليس العيد لمن لبس الجديد، إن العيد لمن طاعته تزيد، اليوم عيد، وغداً عيد، وبعد غد عيد، وكل يوم لا نعصي الله فيه فهو عيد. وها نحن اليوم في الشهر التالي لهذا الشهر الفضيل، أجبرنا الواقع أن نردد ما قاله الشاعر الدكتور عبدالرحمن العشماوي في قصيدته (عندما يحزن العيد) راثيًا حال الأمة الإسلامية بما يشاهده من معاناتها: أقبلت يا عيد والأحزان نائمة على فراشي وطرف الشوق سهران من أين نفرح يا عيد الجراح وفي قلوبنا من صنوف الهمِّ ألوان؟ من أين نفرح والأحداث عاصفة وللدُّمى مقل ترنو وآذان؟ نعم جاء عيد الفطر هذا العام مليئاً بالآلام والأحزان وجراح الأمة العربية والإسلامية الغائر؛ بسبب التكالب الخبيث على الإسلام والمسلمين في كل قُطر من أقطار الأرض، ووُصف الإسلام بالإرهاب، واعتبر كل من التزم وتمسك بالإسلام إرهابياً، وما أحداث سوريا ومصر عنا ببعيدة، وما هي إلا غيض من فيض، الأمر الذي تم فيه استرخاص الدم المسلم، وباعه الظالمون بثمن بخس، وزادت حالات القتل والإجرام، وبعض الدول العربية والإسلامية تتفرج وكأن الأمر لا يعنيها؛ إما بدافع الخوف على مصالحها وإما بدافع الممالأة والمراوغة والوقوف ضد التغيير وأهله، وتزعم بعض الدول أنها مع التغيير ومع الديمقراطية ومع حقوق الإنسان، فإذا ما رأت مثل هذه الجرائم ضد الإنسانية غضت الطرف ودعمت الظالم، ولا حول ولا قوة إلا بالله. من أجل ذلك يفرض علينا الواقع المأساوي هذه الأيام أن نتذكر قول الله تعالى في سورة يونس: (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمّن لا يهدي إلا أن يهدى، فما لكم كيف تحكمون، وما يتبع أكثرهم إلا ظناً إن الظن لا يغني من الحق شيئاً إن الله عليم بما يفعلون)، ونتذكر قوله تعالى: (لا يُحِبُ اللهُ الجَهْرَ بِالسُوءِ مِنَ القَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ..). وعليه فما أجمل أن يراجع المقصر حساباته في هذه الأيام، ويتوب إلى الله إذا لم يحالفه حظ الفوز والرضا والتوبة في شهر رمضان! وما أحسن أن يتضامن العرب والمسلمون ويقفون وقفة رجل واحد ضد القتل والإجرام والظلم الحاصل في بلدان الثورات العربية، ليس مع تيار بعينه أو فصيل سياسي بعينه وإنما مع الحق – (الحق أحق أن يتبع) ومع نصرة الضعيف والمظلوم الذي دعوته ليس بينها وبين الله حجاب. وفي نهاية المقام لا نملك إلا أن نغتنمها فرصة لنعلن للملأ العربي والإسلامي أن اتقوا الله في دماء المسلمين، ولا يقتل بعضكم بعضاً من أجل دنيا دنية ومن أجل كرسي فانية وأشخاص فانين يسحبون البلدان إلى بحار من الدماء والفرقة والانقسام، ولتتصافوا وتتحابوا وتتآخوا، وليلن بعضكم على بعض، ولتقفوا مع الحق والمظلومين، ولتكن أيامكم ولياليكم مفاتيح للفضائل والخيرات والمودة والتراحم والتعاطف، مغاليق للرذائل والشرور وجميع المنكرات. ونسأل الله تعالى أن يصون دماء المسلمين وينصر الحق وأهله وينصر المظلومين في كل وقت وحين. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك