منذ قابيل وهابيل والتاريخ يعيد إنتاج متوالية العنف والدمار تعبيراً عن سرمدية الخير والشر في الأرض، وترميزاً للصراع الدائم بين المستويين، فالخير والشر ليسا ظاهرة في دواخل النفوس فقط، بل إنهما حالة ثنائية صراعية تعيش داخل الإنسان الذي يكابد الحياة ويتنكّب مشاقها ويبارز عواصفها الدائمة؛ فيما يجد نفسه في دوامة من التوهان والقلق الداخلي، حيث إن درب الشر سالك سهل مع كل عواقبه الوخيمة، ودرب الخير صعب يتطلّب تهذيب الروح والجسد والتخلّي عن علائق الدنيا الفانية، والاستمتاع ببحور البهاء النوراني الداخلي الذي يوصل الإنسان إلى العرفان والتماهي مع الحقيقة الكلية. عبّرت الأديان والرؤى عن هذه المقولة بأشكال متعدّدة، وكانت ثنائية الخير والشر في أساس الأسس للتعاليم الدينية والرسالات السماوية، وما سطّره الحكماء والمفكّرون وكانت الدعوة دوماً إلى الأخذ بالخير والتخلّي عن الشر؛ غير أن نفس الإنسان «الأمّارة بالسوء» لم يسعها كل الفضاءات المتاحة من ماء وهواء وزرع وضرع؛ فكان أن اعتدى الإنسان على أخيه منذ تلك اللحظة لصراع الأخوين قابيل وهابيل وإلى يومنا هذا. كانت الديانات السماوية وأفكار الحكماء تدعو دوماً إلى مجافاة العنف المجاني والسوية العامة والأخلاق الفاضلة، وعدم التمييز بين الإنسان والإنسان، واحترام التوازن في الطبيعة؛ غير أن عامل الشر كان حاضراً دوماً، حتى إن الأنبياء والصدّيقين والشهداء والصالحين واجهوا من العنت والتعسف ما لا تتسع لسرده آلاف الصفحات، فقد كان الإنسان عدو نفسه على مدى التاريخ المعروف من خلال رفضه الفضيلة، والاستغراق في الرذائل بأشكالها وأنواعها المختلفة. وتميّزت التدافعات البشرية التاريخية بدرجات عالية من القسوة والمصادرة للآخر، فبعد أن كانت أقل وحشية أضحت أكثر وحشية مما سبق، بالرغم من تنظيرات «علماء الحضارة» الذين يعتبرون وحشية الماضي أكثر همجية، فيما يبرّرون الحروب «الحضارية» تماماً كما يبرّرون جز الغابات بالمناشير الكهربائية الناعمة وبكفاءة تسحق مئات الهكتارات فيما تعيد توضيب ورصف الأشجار كما تُرصف أقراط الموز؛ هؤلاء يرون أن البدائي الذي كان يقطع غصن شجرة بفأسه المتواضعة أكثر وحشية من ناهبي الغابات والبراري والقفار، فيا لها من مفارقة..!!. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك