إن إصلاح الفرد والمجتمع المسلم لا يمكن أن يكون بمعزل عن القرآن الكريم فهماً وتدبراً وتنزيلاً وتفسيراً ومعالجات، فقد جرّب المسلمون خلال القرن الماضي مناهج ومعالجات متعددة، وهي عبارة عن جملة من الاجتهادات البشرية القاصرة التي أثبتت المراحل والسنون أنها محدودة القدرة، ضيقة الأفق، فاقدة الأبعاد الروحية، تصطدم بفطرة الإنسان، عقله ، ضميره وإنسانيته، أحلامه وتطلعاته، تسعى إلى تغيير الإنسان وإصلاح قيمه بقوة الآلة وجبروتها، بعيداً عن استدعاء كوامن النفس، وسبر أعماقها، وتهذيب حاجاتها بما يساعدها على تقويم الاعوجاج وإعادة تربيتها من جديد. كان رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ اللحظة الأولى للدعوة والدولة الإسلامية سواء في دار الأرقم بن أبي الأرقم أم بعد هجرته إلى المدينةالمنورة يربّي ويعلّم ويؤهّل أصحابه بالقرآن الكريم، يحفِّظهم آياته، ويصحّح قراءتهم وفهمهم له، مثلما يدعوهم إلى تدبره وتمثُّله في واقع حياتهم حركة يومية لحظة فلحظة وخطوة فخطوة، مصداقاً لقوله تعالى: (إقرأ باسم ربك الذي خلق) (سورة العلق: 1)، وقوله تعالى: (وكذلك أنزلناه قرآناً عربياً وصرَّفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدثُ لهم ذكرا) (سورة طه : 113)، وقوله تعالى: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون) (سورة يوسف :2)، وقوله تعالى: (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون، قرآناً عربياً غير ذي عوج لعلهم يتقون) (سورة الزمر: 27،28)، وقوله تعالى: (كتاب فصّلت آياته قرآناً عربياً لقوم يعقلون)(سورة فصّلت :3)، بهذا الوحي تعهّد رسول الله صلى الله عليه وسلم الفوج الأول من الأمة بالتربية والإصلاح النفسي والخلقي والإنساني، وما علم التاريخ الإسلامي رجالاً بهمتهم وقوة إيمانهم وعظيم تدبرهم وتمثلهم به في حياتهم ومعاشهم وتربية أنفسهم وأبنائهم. إن فهم القرآن وتدبُّره على مدار التاريخ الإسلامي كان الخطوة الأولى في إعادة بناء وعي المسلم وتفكيره وسلوكه وممارساته وعلاقاته بنفسه وبالآخرين، كما أثبتت المراحل التاريخية وحتى يومنا هذا أن عدم فهم وتدبُّر وإدراك مقاصد القرآن الكريم تحوّل المسلم إلى طاقة سلبية موجّهة ضد نفسه ودينه ومجتمعه وأمته، يتشدد ويغالي عن جهل، ويتطرّف ويتهور كنتاج لتربية متخلّفة، وتعبئة خاطئة، ومفاهيم مبتورة المقاصد والإعمال الواقعي والموضوعي لها، يعتقد عن تفسير حرفي سطحي موجّه صنعته الغرف المغلقة والأحقاد الشيطانية ضد هذه الجماعية أو تلك. جاء القرآن الكريم بالتربية البانية لا الهادمة، الوسطية لا المتطرفة، الصانعة للتغيير العقلاني المتدرج والمنظم، طالب المسلم بالقراءة الصحيحة والفهم المصحوب بالمحبة للإنسانية، والتدبر الملازم للعبادة العلمية، والتفسير المتوازي والمتوازن مع النظر في الكون والحياة والعصر، واكتشاف الآيات والعبر التي بثّها المولى عزّ وجل في زاوية ننظر منها، ومن ثم الربط بين الآيات المكتوبة والآيات الكونية ومتطلبات التغيير للمجتمع . إن المنهج القرآني للتغيير والإصلاح الاجتماعي يطالبنا باستخدام العقل في تدبر الآيات والأحكام والمقاصد الرامية إلى إحداث التغيير المنشود ، مثلما يطالبنا المولى عزّ وجل بالتشرُّب بالقرآن والتغذّي بمعانيه وقيمه وأحكامه وعلومه حتى نصل إلى المعالجة الفعلية لما نعانيه في حياتنا. إنه كتاب الله الذي جعله ملاذا للعقل والحكمة مثلما هو علاج للروح والجسد والحياة، إنه مرشد أمين للإنسان إلى مراتب الفضيلة والخير والمعروف والتعايش والحوار المعتدل الوسطي مع الذات والآخر. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك