ونحن على عتبات الاحتفاء بمقدم العيد ال51 لقيام ثورة ال26من سبتمبر ضد الحكم الإمامي الاستبدادي الكهنوتي.. رأيت أن الضرورة تستدعي من استخلاص ما علق في الذهن واختزلته الذاكرة لمحطات عديدة قبل قيام الثورة بهدف الإسهام ولو من باب التعريف بالواقع الذي كان بعثه الشعب اليمني في جوانب هامة من الحياة والتي يجهلها كثير من أبناء مجتمعنا وفي طليعتهم جيل الثورة والوحدة.. ومهما كان تناولنا متواضعاً في الطرح إلا أن ما نأمل فيه هو تسليط زاوية من الضوء حول واقع الثالوث المخيف لواقع ما قبل الثورة الجهل والفقر والمرض.. المحطة الأولى: كان والدي رحمه الله الذي اشتهر بلقب “الفقيه أحمد صالح” إماماً لجامع ثعبات الكبير.. وقد ساعده ذلك الموقع بعد طلب من المواطنين قدم لعامل صبر والذي بدوره رفعه للإمام على الحصول على موافقة بتعليم أبناء المنطقة ما كان يفقهه بعد الاختبار من علوم الدين والشرع إلى جانب القرآن الكريم من خلال فتح “كُتاب” ملحق بمبنى الجامع والتحق به الكثير من الآباء والإخوان.. الآباء معظمهم توفاهم الله والبعض من الإخوان لا يزالون على قيد الحياة. قبل قيام ثورة ال26من سبتمبر لسنوات قليلة أتيحت لي فرصة الالتحاق بذلك الكتاب وأنا في سن مبكر.. وكان يطلق على الكتاب بالمعلامة نظراً لمحدودية المدارس أو الكتاتيب على مستوى مدينة تعز.. باستثناء المدرسة الأحمدية وكان التعليم في المعلامة يقتصر على قراءة القرآن وتجويده وحفظه إلى جانب تعلم العلوم الفقهية والقراءة والكتابة.. والتأكيد على وجوب طاعة ولي الأمر و ظللت لفترة.. حتى تم إنشاء كتاب في منطقة المنزل وأطلق عليه تسمية الكتاب الأحمدي.. وزاد عدد الطلاب.. وأضيف إلى والدي كمعلم في الكُتاب القاضي محمد عبدالولي المجاهد رحمه الله ورضي عنه وبدأت حينها عملية التوسع في المنهج الدراسي لبعض علوم التاريخ والجغرافيا والرياضيات .....وكانت هذه النقلة إحدى ثمار تنوع منهج التعليم في المدرسة الأحمدية التي كان مقرها مدرسة بجانب مجمع السعيد التجاري حالياً. وظل الحال التعليمي على هذا المنوال حتى قامت ثورة ال26من سبتمبر عام 1962م واعلن ميلاد الجمهورية صبيحة ذلك اليوم الذي أذكر كل محطاته وتداعياته الإيجابية ساعة بساعة... حيث تسنى لنا بحكم قرب مسكننا في ثعبات من مركز المدينة التحرك إلى منطقة العرضي التي كانت تضم مقر الإمام وميدان الشهداء والعرضي العسكري وسكن نائب الإمام “حمود الوشلي” الذي تم اعتقاله أمامنا بعد تطويق مقره ومحاصرته حتى استسلامه، إلى جانب نشاطات ثورة كبيرة شهدتها مرافق الحكم التابعة للإمام.. وشهدت تعز حينها حراكاً ثورياً وتجسد بالتظاهرات المؤيدة للثورة والمساندة لترسيخ النظام الجمهوري. بعد الثورة وفي ضوء ما نص عليه الهدف الثالث من أهداف الثورة السبتمبرية التي أعلنت مع انطلاقة الثورة والذي نصه: رفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً.. فقد كان للتعليم حضور فاعل من خلال الاهتمام ببناه التحتية من مبان مدرسية ومناهج تعليمية وكادر تعليمي.. حيث شهد قطاع التربية والتعليم نقلة نوعية ، سيما في جانب الكادر التدريسي العربي وكان لمصر الشقيقة حضور متميز في تلبية احتياجات الإنسان اليمني من المدرسين.. وكان للمنهج الدراسي المصري حضور لمحدودية إمكانيات حكومة الثورة في سنواتها الأولى سيما وأنها جابهت محاولات لإجهاضها من خلال ما كان يطلق عليهم بالرجعيين الرجعية الإمامية والتي كان لها انعكاساتها السلبية على صعيد مسار تحقيق أهداف الثورة السبتمبرية بصورة مبكرة.. مدرسة النجاح بعد الثورة بفترة تم التحاقنا بمدرسة النجاح الابتدائية.. وكان مقرها في الجحملية... وإلى جانب تزويدها بعدد من المدرسين المصريين كان هناك مدرسون يمنيون جرى تأهيلهم في وقت مبكر عقب قيام الثورة ومنهم الأساتذة محمد الحوثي وعبدالله عباس واسماعيل الكبسي والمرتضى وآخرون وتم تنقيح المنهج الدراسي المصري بمدخلات كانت النواة لمنهج دراسي يمني سيما التربية الوطنية والجغرافيا والتاريخ وقد كان لوالدي رحمه الله حضور في تعليم التربية الإسلامية.. وقد شهدت السنوات التي أعقبت الثورة حراكاً طلابياً على صعيد تعزيز وترسيخ قيم ومبادئ الثورة وتجسيد أهدافها... وكان لنا حضور كطلاب المدارس في التظاهرات وفي دعم المقاومة الشعبية. تعدد المدارس وكما أسلفت فلقد احتلت قضية التخلص من الأمية التي كانت إحدى سلبيات العهد الإمامي المباد فشهد البنيان المدرسي نقلة كبيرة حيث قدم الاتحاد السوفيتي مبنى مجمع الشعب.. أي مدرسة الشعب التي كانت إعدادية وتوسعت ليدرس فيها التعليم الثانوي.. كما أن مدارس عديدة أنشئت لاستيعاب تزايد الإقبال على الدراسة وتوزعت على مختلف أحياء مدينة تعز... إلى ما وصلت إليه اليوم. رعا الله اليوسفي في أواخر الستينيات ومطلع السبعينيات كانت مدرسة الشعب تتصدر طلائع التظاهرات الطلابية التي كانت تنظم لدعم مسيرة الثورة ورفضاً لمحاولات الانتقاص من النظام الجمهوري.. وأود الإشارة هنا إلى أننا كنا مع انطلاق العديد من المظاهرات يستوقفنا حينها المقدم محسن محمد اليوسفي الذي كان مديراً لأمن المحافظة ويطلب منا سلمية التظاهر وكان أحياناً يتقدم مظاهراتنا.. وكان رعاه الله يتعامل معنا بأسلوب الأب الثائر. نتمنى من خلال ما تقدم أن نكون قد أشرنا ولو بإيجاز لواقع التعليم قبل الثورة والسنوات التي تلت قيام الثورة أما واقع النهضة التعليمية التي عمت كل أرجاء الوطن وتعدت الجامعات بمراكزها البحثية كل ما كان المرء يطمح اليه... إلا أن ما نطرحه اليوم هو الحاجة إلى أن تكون جودة التعليم معياراً لهذه النهضة ومخرجاتها تلبي احتياجات الواقع.. رابط المقال على الفيس بوك