أكد العميد عبدالواسع عبدالواحد المجاهد أن ثورة سبتمبر كانت ضرورة حتمية نبعت من قناعة شعبية راسخة نتيجة الحرمان والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي كانت سائدة .. وتطرق المجاهد إلى جملة من العوامل التي هيأت للحدث السبتمبري ومن بينها غياب أدنى درجات الحياة الكريمة ، أما التعليم فحِّدث ولا حرج فبالرغم من تخلفه إلا أنه كان محصوراً في فئات اجتماعية محددة.. المناضل المجاهد كان قائداً للمدرعات في مدينة معبر إبان حصار السبعين يوماً تحدث عن عدد من المحطات الثورية التي يجدر بشباب اليوم معرفتها لاستلهام التاريخ الثوري العظيم الذي سطره خيرة أبناء شعبنا وقدموا أرواحهم رخيصة في سبيل تحقيقه فإلى تفاصيل الحديث: أبرز المناضلين دور أبناء مدينة ذمار في ثورة سبتمبر دور ريادي وأسهموا في كل المحطات والمراحل الثورية ..في ثورة 48 وثورة 1955م منهم المناضل أحمد الوريث والمناضل والأديب زيد الموشكي. فثورة 26سبتمبر 1962م لم تأتِ عفوية أو محض صدفة بل جاءت ضرورة حتمية لأن الشعب اليمني كان شبه منقرض نتيجة ما كان سائداً من فقر وجهل ومرض خيم على الشعب اليمني طويلاً. وأبناء ذمار من أوائل من هبوا للمشاركة الفعلية في تفجير الثورة سواء أولئك الذين انخرطوا في القوات المسلحة أو على المستوى الشعبي ففي القوات المسلحة نذكر حسن عبدالعزيز وعلي عبدالوهاب المهدي محمد الديلمي عبدالله الأبيض أحمد علي السوسوة عبدالرحمن السوسوة علي محمد الضبعي عضو قيادة الثورة وأحد زملاء المناضل ناجي علي الأشول وقد دافعوا عن الثورة في عصر والجبل الطويل شرقي نقم وفي العديد من مواقع الشرف والبطولة. خبز للجميع وعن زيارة البدر وما صاحبها من أحداث يقول العميد المجاهد: عندما جاء البدر إلى ذمار قبل الثورة خرجت الجماهير في مظاهرة عارمة تطالب بالمساواة وكانت تردد شعار” «خبز للجميع» وواجهوا محمد البدر شخصياً بهذه المطالب في مستشفى الهيلمة وقد كان هذا الخروج التاريخي من الناس عفوياً ولم يكن مدفوعاً من أي طرف حزبي أو غيره. قناعة مطلقة بالتغيير ويضيف العميد عبدالواسع المجاهد بالقول: وهنا أعيد وأؤكد أن القناعة بتغيير النظام الإمامي كانت متوافرة لأنه لا يوجد بنية تحتية أبداً يمكن الاعتماد عليها حتى مستشفى الهيلمة التي أشرت إليه آنفاً كان مبنى بلا معنى.. صحيح أنه بني في عهد أحمد السياغي الذي كان نائب الإمام في إبوتعز لكن بعد بنائه مباشرة تحول إلى إسطبل أو مخزن للتبن ..حق البهائم لأن هذا التبن كان من الزكاة وكان يوضع في معسكر “القشلة” ولما فاض التبن تم نقل الفائض إلى مستشفى الهيلمة..غير أن المعلومة التي يجب أن يفهمها الجميع وعلى رأسهم الشباب أن المستشفى لم يشتغل إلا بعد قيام الثورة السبتمبرية. حال التعليم الإمامي وفيما يخص الخدمات الأخرى وفي مقدمتها التعليم يوضح المجاهد: لم يكن هناك صحة أو مواصلات أو شبكة طرقات ولا تعليم إلا في أضيق الحدود التي لا تكاد تذكر فلا عهد لنا بالمدارس ولم نعرف سوى المكتب الذي هو الآن قسم شرطة المدينة الذي كنا ندرس فيه جالسين على التراب ونحشر في قاعته الضيقة كالحيوانات وكان مدير المكتب محمد الآنسي والد المهندس أحمد محمد الآنسي رئيس هيئة مكافحة الفساد ووزير المواصلات السابق إضافة إلى عدد من المدرسين مثل الأستاذ عبدالصمد قطران (الله يرحمه) وعلي عبدالعزيز ولطف الخضر وسينا علي السمهري ومحمد عبدالله الأكوع وكان لا يدرس في هذا المكتب سوى من الصف الأول إلى الخامس بعدها لا تجد أين تذهب لإكمال التعليم.. كما أن المنهج المدرسي حينها إن صح أن نطلق عليه كذلك متخلف جداً ولم نكن نعرف الجمع والطرح أو الضرب إلا في الصف الخامس وإلى جانب هذا الوضع السيء من ضيق قاعة الدرس التي بالكاد تقبل المائة إلا أن هذا المكتب لم يكن يستطيع الالتحاق به سوى أبناء الميسورين فقط وهذا أمر طبيعي فالحرمان هو قوت الشعب الأساسي حيث المواطن لا يمتلك سوى زنة(ثوب) واحد يرتديه من العيد إلى العيد حافي القدمين فالناس وقتها لم يكن لديهم سابق معرفة بالصابون مثلاً وتغيير وتبديل الملبس إلا بعد قيام الثورة السبتمبرية الظافرة. محاولة الدراسة في صنعاء - بعدها انتقلنا إلى صنعاء لاستكمال الدراسة هناك والتي كانت مجالاتها في عاصمة البلاد محدودة جداً ولكن أفضل من غيرها من المحافظات ولم يكن بها من مراكز تعليمية سوى مدرسة الأيتام والمدرسة المتوسطة التي تسمى الآن الإعدادية والمدرسة الثانوية إضافة إلى المدرسة التحضرية التي كانت محصورة وتستقبل أبناء فئات اجتماعية بعينها دون غيرها من الشرائح الاجتماعية. علاوة على المدرسة العلمية ودار المعلمين هذا الدار الذي كان مدعوماً حينها من منظمة اليونسيف العلمية. سنة ونصف إجراءات الالتحاق وفي هذا الصدد يقول المناضل المجاهد: غير أن عملية الالتحاق بالتعليم لم تكن بهذه السهولة التي قد نتصورها حيث استغرقت إجراءات دخول المدرسة المتوسطة أكثر من سنة ونصف كان المسئولون من خلالها يردونا عن وجهتنا قائلين: لا يوجد منحل لا يوجد منحل ومعنى منحل أي مقاعد دراسية شاغرة لكن الإرادة والتصميم كان سلاحنا الوحيد أنا ومجموعة من أمثال محمد عبد الرحمن قطران وأحمد عبد الرحمن قطران وجلسنا على هذه الحالة 18 شهراً نصرف على أنفسنا وكان الوالد يرسل لي (3) ريالات لأعتاش بها مع العلم أننا والحمد لله من أسرة ميسورة وكنا نذهب للسكن مع الاستاذ/ عبدالله الأبيض الذي كان معنا في المدرسة المتوسطة. عذاب الله الأكبر - وأخيراً وبعد طلوع الروح تم قبولنا في المدرسة التحضرية وكانت الموافقة على فتح صف سابع في مكتب الأيتام هذا بعد أن أحرجناهم من كثرة المراجعة ...! المهم دخلنا مكتب الأيتام وما أدراك مامكتب الأيتام كان أشبه ما يكون بسجن وبعبارة مختصرة كان عذاب الله الأكبر في مأكله ومنامه وكل ما يتعلق بنشاطه لقد عشنا بالفعل مأساة حقيقية ..ماذا أشكو لكم لقد كان الشعب يواجه مآسي بكل ما تعنيه الكلمة. أما من يأتي هذه الأيام ليقول لك عكس هذا الكلام فهو كاذب... كاذب ولكي يطمئن قلبك عليك أن تسأل ممن هم في عمري أو أكبر سناً مني ليضعوك في قلب المشهد المرعب وهذا الكلام نابع من حبي لوطني وليس مدفوع الأجر أو لصالح طرف ضد آخر ولكنها الحقيقة في أبهى صورها والويلات التي كان يواجهها الشعب اليمني أكبر من أن تخفى على أحد وفي العموم كانت الدراسة الهم الأكبر للطلائع الثورية ولو نلاحظ كأنموذج فقط أبناء المنطقة الوسطى تدافعوا إلى صنعاء للتعليم رغم الظروف السيئة والفقر المدقع ومن هذه الأسر(بيت الأشول، بيت المضواحي بيت عبد المغني، بيت الشامي، بيت الديلمي، بيت الحوثي، بيت النهاري) من جميع فئات المجتمع ومن هؤلاء رئيس هيئة الأركان العامة اللواء الركن أحمد علي الأشول والعميد/ عبد الوهاب الأشول. وبإمكانك أن تتأكد منهم. المصريون والدور التعليمي الرائد ويستطرد الثائر السبتمبري المجاهد قائلاً: وبعد صف سابع فتحوا لنا المدرسة المتوسطة الواقعة الآن أمام مجلس النواب والتي كانت مخصصة في عهد الإمام للمحروقات وبعد الثورة حولت إلى مدرسة متوسطة وهي مكونة من ثلاثة أو أربعة فصول ثم اصبحت فيما بعد مقراً للمجلس الوطني بعد افتتاح مدرسة جمال جميل ومن أبرز من يعود له الفضل في تعليمنا بعد تخرجه من القاهرة الاستاذ/ علي العيني “الله يرعاه” وللأمانة التاريخية فقد لعب المصريون دوراً هاماً في العملية التعليمية في بلادنا في عهد الزعيم الراحل/ جمال عبد الناصر ولا نغفل هنا تأثر الشعب اليمني بأصداء ثورة 23 يوليو ولا ننسى هنا دور الشهيد/ محمد محمود الزبيري. مجموعات ثورية واعتقال الرئيس الحمدي - ويواصل العميد عبدالواسع المجاهد إفادته: لقد شكل أبناء ذمار من ذات أنفسهم اثناء مخاض الثورة السبتمبرية مجموعات ثورية وقاموا باعتقال جميع المسئولين ومن ضمنهم الرئيس الراحل إبراهيم محمد الحمدي وطلعوهم إلى صنعاء والسبب في اعتقال الرئيس الحمدي أنه كان وكيل والده الذي كان أحد عمال الإمام وكان حينها في كلية الطيران وكان حسين المسوري زميلاً له وعندما وصل إلى مجلس القيادة أفرجوا عنه مباشرة لأنه من الناس الوطنيين الصادقين. وحينما أعلنوا تكوين الحرس الوطني كان رجالات ذمار في الصدارة وشكلوا منفردين السرية الخامسة لأن السرية الأولى والثانية والثالثة والرابعة من أبناء صنعاء ومن طلاب مدارس أبناء اليمن وقد أدى منتسبو السرية الخامسة دوراً مشهوداً في الدفاع عن الثورة اليمنية الأم في كافة المهام النضالية الموكلة لها سواءً في خولان بني ظبيان وغيرها من المناطق. عن إغلاق نقيل يسلح وعن الحرب الذي شهدها نقيل يسلح يقول: إغلاق نقيل يسلح كان من ضمن حصار السبعين يوماً عندما حوصرت صنعاء وأهمية النقيل في كونه امتداداً طبيعياً لمناطق بلاد الروس وسنحان التي تمتد إلى مشارف العاصمة صنعاء ولذلك امتلكت هذه المنطقة أهمية استراتيجية إضافة إلى كونه البوابة الجنوبية لحاضرة اليمن الذي يربط العاصمة بالكثير من المحافظات.. وحينها كنت في مدينة معبر قائداً للمدرعات ولما بدأ الحصار تحركنا بمعية سرية صاعقة لفك الحصار وكان ذلك في شهر رمضان على ما أذكر وقد ناضلت سرية الصاعقة كذلك نضال الأبطال حتى أرغمناهم على الانسحاب من النقيل ومحيطه. ويجب هنا الأخذ في الاعتبار الإمكانات الضعيفة للدولة الوليدة، فلا قطع غيار للدبابات أو المدفعية لهذا كله كان الدفاع عن الثورة يرتكز في مجمله على المجهود الذاتي والإيمان المطلق بشرعية القضية فكل ثائر مناضل كان يعتقد في قرارة نفسه أن ثورة سبتمبر قطعة منه وهو المعني بها في المقام الأول فنصرها يعني نصره وهزيمتها يعني هزيمته حتى صنعاء نفسها كان يقطنها ثلاثة آلاف استطاعوا بصمود اسطوري التغلب على هذا الحصار الجائر من فلول الإمامة الحاقدة. شهداء ذمار وعن بعض شهداء ذمار الذين سقطوا في مواقع الدفاع عن ثورة سبتمبر يفيدنا المناضل المجاهد بالقول: هناك الكثير من الشهداء الأبرار أذكر منهم الملازم/ علي عبدالخالق الأكوع والملازم/ عبدالوهاب الأكوع - الملازم/ إسماعيل الشجني الملازم/ محسن عبدالعزيز يحيى حسين علاية الشهيد الطيار محمد الديلمي والشهيد الشيخ/ عبدالمنان الشغدري. كما يوجد شهداء من جبهة التحرير الذين هبوا من المحافظات الجنوبية لنجدة إخوانهم في الشمال .. فالثورة السبتمبرية والاكتوبرية ثورة يمنية واحدة خالصة ولا يحق لأحد تجزئتها أنا من خريج الدفعة الثالثة من الكلية الحربية ولو اطلعت على كشف أسماء هذه الدفعة على سبيل المثال لوجدت أن هناك من أبناء حضرموتشبوة الضالع عدنذمارتعزأبينلحجالحديدة وقد أبلوا جميعاً بلاءً حسناً في الدفاع عن منجز الثورة اليمنية الأم في صعدة وخولان وسماره وكاذب من يدعي أن ثورتي سبتمبر وأكتوبر ليست واحدة. فلولا ثورة سبتمبر لما كانت ثورة أكتوبر والدليل أن الإنجليز في الجنوب حاولوا إجهاض ثورة سبتمبر وسلطوا على الجهود الثورية الشريف الهبيلي الذي كان متواجداً في حريب المجاورة لمأرب إضافة إلى تشكيل جبهات قتالية أخرى لمناهضة الثورة لأنهم كانوا على دراية بأن الثورة في الشمال لا تعني سوى انفجار ثوري وشيك في الجنوب وهذا ما حدث. موقف السلال وخيبة أمل بورقيبة وفي هذا الجانب يروي العميد المجاهد موقف الرئيس السلال العظيم الذي عبر عنه في كلمته أمام خريجي الدفعة السادسة أو السابعة من الكلية الحربية التي رد فيها على موقف بورقيبة المخزي الذي سحب اعترافه بالنظام الجمهوري الجديد في اليمن فقال السلال لا يهمني بورقيبة أو غيره وما يعنيني هو موقف ومناصرة الشعب اليمني لهذه الثورة والخطاب مسجل وموجود. نصيحة للشباب وفي نصيحته التي قدمها للشباب يقول المجاهد: على الشباب أن يحافظوا ويدافعوا عن الوحدة والثورة والنظام الجمهوري وليعلموا أن هذه الانجازات العظيمة لم تكن وليدة اللحظة بل خلاصة 100سنة تقريباً من النضال المستمر أي أن النضال المستمر انطلق حتى قبل قيام الثورة بحوالي خمسين عاماً وأن الثورة اليمنية لم تأت عفوية أو صدفة بل ضرورة ملحة أملتها الظروف التي كانت قائمة ولولاها لما كانت المدرسة والجامعة والمستشفى والطرقات وصناعة العقل البشري الذي يعتبر الثروة الحقيقية لهذا البلد. وعليهم أن يتناسوا الأحقاد والضغائن والمصالح الحزبية والشخصية الضيقة التي دمرت بلادنا وبنيته التحتية وتهدد مستقبله واستقراره وأي فئة أو جهة تفكر بأن عجلة التاريخ يمكن أن تعود للوراء وتمكنهم من الحكم مرة أخرى فهم واهمون ويستحيل لهم ذلك لأن الجني خلاص خرج من القمقم..