كان يُفترض أن اليمن وعلى مدى تراكم نضالات الشعب وتضحياته منذ أكثر من نصف قرن أن يكون قد مضى إلى طور بعيد في التحوّلات الديمقراطية المنهجية بالمعنى السياسي لمعيارية الدولة الديمقراطية، والتي تبنى على تقاليد نضالات استهدفت من خلال الثورة الأولى في سبتمبر بالشمال وثورة أكتوبر في الجنوب فكرة تأسيس وبناء الدولة؛ غير أن ما حدث هو أن صحيفة «الثورة» الجريدة الرسمية الأولى في خطابها المزامن للثورة الكلاسيكية الأولى للعسكر في الشمال أخذت طابع الانقلاب في تأويلات عدة لدى كثيرين مع الثورة. الانقلاب بخاصة كان على خط سيرها العمومي الذي صدرت به قوانين ملزمة هي وغيرها من الصحف ذات الطابع الحكومي, وحيث إن أول افتتاحية لصحيفة «الثورة» جاءت بعنوان «صاحب الجلالة الشعب» كان عنواناً ذكياً ومنصفاً ويختزل الثورة لحظتها في الشعب قبل أن تتحوّل إلى فكرة المستبد بالانقلاب على الشعب, غير أن ذلك العدد كما بدا كان كأنه أول وآخر عدد يصدر من صحيفة «الثورة» فيما أخذ بعضهم ينساق وراء صناعة مجد زائف من خلال تكريس أنفسهم كأيقوانات بزعم «صنّاع التاريخ» وأصحاب «المذكرات» و«الرصيد النضالي» أو مناضلي «ثورة» مع الاحترام لكثيرين منهم. إن ما جرى وما حدث خلال العقود الماضية يؤكد تحوّل كثيرين على يد الشمولية العائلية إلى مجرد ولاءات مؤجّرة لصالح وتحالفاته من القوى التقليدية والمشيخات ونفوذ بعض الجنرالات في تعطيل المشروع الوطني لفكرة الدولة من خلال ما عُرف بفترة الإجهاز على فصيل وطني تمثّل فكرة الدولة؛ وأعني به الضمير السياسي الوطني للوظيفة العامة والمؤسسات ونظام التعاونيات والسلطة المحلية التي كادت أن تصير تجربة ونموذجاً يقدّم إلى العالم في تميُّزه ودأبه بفن وإخلاص في إدارة الشأن العام بعيداً عن الاستحواذ أو الإلحاق المجحف الذي اختطف الدولة والحياة اليمنية والمستقبل اليمني برمته ولايزال حتى اللحظة الواقع اليمني في حالة إظلام مستدام. أسست مرحلة ما بعد جريمة اغتيال جبانة وغاشمة استهدفت الرئيس الشهيد المقدم إبراهيم الحمدي وأخيه عبدالله في منزل الغشمي لمرحلة عزل واستبعاد للشعب من كل المجالات والحياة بخياراتها الطبيعية؛ ما أفسح لمرحلة تالية لها مهدت لمن جاء بعد ذلك ليحكم بطريقة الجريمة السياسية، ويأكل الأخضر واليابس، وكانت تلك الجريمة التي دبّرت في وضح النهار بإشراف سياسي وممثّل عسكري لبلد جار مازال يدمّر اليمن حتى الآن..!!. إن امتداد تلك الحالة والمرحلة حتى اللحظة كانت ولاتزال هي الصورة الحمراء والدامية في الحكم والتي وُعد بها اليمنيون لفترة حكم الرجعية العسكرية بخلفية تحالفها وجهوياتها القبلية وأدوات اشتغالاها لصالح غتر نفط بليدة في المنطقة؛ وأعني برمزية هذه الدلالة بالخصوص ما جاور اليمن وتاخمها على صعيد جيوسياسي كانت له تأثيراته التراجيدية في انعكاساتها ضد اليمن واليمنيين. لقد بقيت العوامل الجيوسياسية المحيطة باليمن بخاصة لجهة التخوم الجارة تؤسس بإملاءاتها وترسيمها في التدخُّل بشأن اليمن انطلاقاً من نزعة عداء تارخي لتناقضات وتقاطعات فكرتين هما الديمقراطية في ظل نظام جمهوري، والطبيعي أنه قام بثورة في اليمن أطاحت بملكية تحاكي في صورة سقوطها الإيحاء ولو البعيد المدى في الثورة على ملكية أخرى تمثّل اليوم حالاً من الطفرة النفطية والاستحواذ والاستبداد الأسري، ومن ثم التغوُّل حتى في قضم ما حولها وفي كنفها من دول وجغرافيات صغيرة أو كبيرة، في هذه المنطقة على وجه الخصوص. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك