اليمن والإعلام والسياسة والقوة والثروة,مفردات في الأصل تعود للشعب,غير أنها في الواقع اليمني لا تزال معادلة مختطفة بيد السياسيين ومراكز قوى بعينها بتمثيل صراعات وتحالفات وزعم خصومة,وذلك بغاية الاستحواذ على السلطة والثروة وتوجيهها باتجاه المراوحة في تنمية الاستبداد وإعادة إنتاجه بصورة شمولية ربما أكثر فداحة. يحتاج الإعلام في اليمن إلى صيغ وأساليب جديدة ومحدثة لخطابه ونمطية رسالته وصيغ الأخبار وتغطية أحداثه برسم سياسات وتشريعات مرنة تنتظم إطاراً إعلامياً بأفق حر وجديد ومفتوح بمحددات أخلاقية لا تقيد مسألة التنوع الطبيعي كمعطى للإختلاف وركيزة للمواطنة والتناغم الإيجابي الذي تتأسس عليه بنية الدولة الطبيعية في صورة تعايشها الحضاري, بحيث تعمل على مراعاة حالة التنوع كقيمة للتعدد المنظم لتفتح عبره أفقاً لآراء واختلافات تصنع الحرية والتوازنات وتتجاوز عتمة التنميط الإعلامي الحاصل,كما ستحسن الصحف الرسمية صنعاً لو أنها تلتقط اللحظة اليمنية في سياق جديد ومختلف لتتجاور بشكل أكبر مع هوية الهم الإجتماعي للمواطنين وعلى غير ما تنمطت به صورة خطابها من انحياز أحادي في ذهنية العام,ولا يزال بعضها بعيداً عن التعاطي بذكاء مهني وجدية في ملامسة هموم “المفرد بصيغة الجمع”. وبضوء استمرارية ثبات المعادلة الشمولية في علاقة الإعلام بالسياسة بقيت اليمن - ولا تزال - تمر بمراحل انتقالية متتالية منذ أكثر من نصف قرن,وكان لذلك تأثير سلبي أيضاً على استقرار الدولة حتى في الجنوب وحتى في فترات ما قبل الوحدة السياسية في90م,مثلما بقيت الصورة النمطية لمشهد الإعلام اليمني إجمالاً ولا تزال أنماطها تمثل التشابه لا الاختلاف وبخاصة في منظومة الإعلام الحكومي,وإن تفاوت مستواها,غير أن الاختلاف بدأ يكسر طابع النمطية المعتادة كما أخذت صحيفة الجمهورية تعكس وبدأب أن “الجمهورية” والتي أبدت منذ سنوات مرونة في استيعاب اختلافات وآراء هي اليوم تثبت قابليتها للتحول الإيجابي بالعمل على تحديث خطابها أو شكلها البصري كما أفردت وتفرد مساحة للرأي بأوجهه وبخاصة بعد الثورة الشبابية الشعبية. اللحظة تستدعي مزيد كسر حواجز الخوف المفروضة على بعض الوسائل من داخل مؤسساتها,كسر الحواجز أعني بذكاء ومهنية في التعاطي بمواءمة الرسالة بأولويات القضايا الأساسية للشعب نحو تحقيق خطوات وأفكار جديدة وسلوك طرائق جديدة لإعلام حر يواكب لحظات تحول ينشدها أفراد المجتمع, وهذه الصحيفة أخذت ربما تنظر أن الثورة الأولى التي قامت في عام 1962م نهضت فكرتها من أجل الجمهورية والنظام الجمهوري وفكرة الدولة التي لم تتحقق في سياقه حتى اللحظة,وأجد من خلال متابعتي أن الجمهورية الصحيفة تدرك على الأقل أحسن من غيرها ضرورة البحث عن صيغ جديدة للتميز,وقد كان تبنيها لأفكار ثقافية وإصدارات تواكب فكرة إسناد الفعل الثقافي والتنوير في بعض سماته ، كما سبق وأن نفذت فكرة نشر«كتاب الجمهورية» اليومي في رمضان الفائت وشمل فوائد في الفكر والفن والفلسفة .. وغيرها ومعارف ومفاهيم علمية ودراسات نوعية عبر إتاحتها للناس رفقة العدد. الصحيفة اليوم خلقت انطباعاً لدى القراء بتميزها في التنافس وبخاصة في حال المقارنة بصحف رسمية أخرى ، إذ أنها عملت وتعمل حالة من توازن أو مواءمة تتوسم أن تعطى مساحة حرية أوسع في التعبير وربما لو أن ذلك تم في شكل سيستم جديد لتغيير وتطوير وتشريع السياسة الإعلامية بالمعنى الوطني في أفقه الرسمي سيتم تغذية الوسائط بسياسات تنافس بقيم مدنية جديدة تفتح نوافذ للناس على مفاهيم الديمقراطية والمواطنة وقيم التعايش المدني وتعمل على تقديم حجم ونوعية المعلومة الجديدة وتوطين أفكار جديدة وشراكة فاعلة بينها وبين المجتمع،لأن البقاء في الأخذ بإرث ومعيار فترة العمل السري سيبقي ذلك الجمود في الإعلام وصيغته الشمولية التي اعتاد عليها ك«جنان لوزي”منذ السبعينيات,وذلك النمط في الحقيقة لم يعد صالحاً اليوم لخلق حالة تناغم أو تفاعل مجتمعي من أي نوع ، لأنه سيصطدم بخيارات وبدائل تبقي الإعلام الرسمي محل سخرية إن هو لم يطور نفسه,كما في شكل توازن علاقته المواطنون وجهات تعمل على تدبير شئونهم السياسية,وإجمالاً فإن الحاجة تبقى ملحة واستراتيجية إلى رؤية إنقاذ وطني للإعلام اليمني في مختلف الاتجاهات ووضع ميثاق شرف لمراعاة أولويات الإنسان وقضاياه ومستقبل أجياله قبل أولويات أشخاص بعينهم وذلك من أجل تلافي سقوط الوسائل في مزيد من السخرية والتدجين لخطابها وحتى تدرأ عن نفسها تهمة التجيير لمصالح بعينها بما يستجر ويصنع طبائع الاستبداد الفردي لمن قد يجدون أنفسهم على رأس مراكز نفوذ هنا أو هناك. والواقع أن الناس قد ملت كهنوت النظرة السياسية إلى قضايا الشعب والوطن اليمني كأرضية مباحة بالفتوى,أو الدعوية وشرطة المتنفذين بجهوياتها المختلفة ومناشير تحزبها ورطاناتها وتقعر خطابها,وعلى المشاركين من أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الذي يدخل اليوم يومه الثامن، عليهم تحمل مسئوليتهم في نقاش القضايا الأساسية للشعب والوطن ، وبخاصة ما يتعلق منها بما غدا محور تأييد الإجماع الوطني كالقضية الجنوبية مثلاً وقضية صعدة,ويجدر بالشباب والنخب الحقوقية والناشطين والناشطات من أعضاء الحوار من القوى المدنية وممن لا يمثلون ثقلاً معتمداً لجهوية ما أو فرزة مصالح بعينها, أن يتفردوا بجرأة الرأي في طرح القضايا العالقة ووضع استراتيجية حلول جذرية لها,حتى يتحقق شرط الدولة الناجحة في التوافق الوطني لا التوافق على مصالح ضيقة تبقي على صناعة الاستبداد,وعليهم أن يملأوا بكلمات مكثفة وعميقة الحضور الحيز المتاح لهم في جلسات مؤتمر الحوار طوال فترة انعقاده لكي يوصلوا رسائل قوية تمثل جوهر الاصطفاف بمفارقات طرحهم للحديث بقوة ووضوح وشفافية عما تريده إرادة ملايين من الشعب اليمني من استقرار مفهوم الدولة ورسوه على بر خيارات الشعب لا النخبة الساسية في الوظيفة العامة,وقد لا يستطيع الناس إيصال رسالتهم ربما بالشكل الذي تطمح إليه أحلامهم بالرغم من تضحيات جسام ومعاناة قدموها وجرحى وشهداء تؤرخ لتضحياتهم كل ميادين التضحية وكل مفردة نظيفة لم تتلوث بوحل المصالح الشخصية أو كل ذرة تراب وبحر وشاطئ وجزيرة وزاوية في جغرافيا اليمن ونضالات شعبه ، كما تشهد ذاكرة الزمن والأمكنة والسياقات التاريخية ومكابدات الشعب بمرارة اغترابه واستلابه في الداخل والخارج والعيش طويلاً بعناء وصبر في ظل غياب العدل ومتوالية الاستبداد وأدواته من صناع الحروب والأزمات والصراعات وحلفاء الغنيمة. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك