خمسون عاماً مضت على قيام ثورة 14 أكتوبر التي انطلقت من جبال ردفان الشمّاء عام 1963م بقيادة الشهيد البطل غالب بن راجح لبوزة لتزلزل الأرض تحت أقدام سلطات الاستعمار البريطاني الذي ظلَّ جاثماً على الجزء الجنوبي والشرقي من وطننا اليمني الحبيب على مدى أكثر من مائة وثمانية وعشرين عاماً، وتحديداً من 19 يناير 1839م وحتى 30 نوفمبر 1967م، حينما تمكّن ثوار أكتوبر من إجبار حكومة بريطانيا العظمى على إجلاء قواتها المحتلة ومنح الاستقلال الوطني الناجز بعد أربع سنوات من النضال والكفاح المسلّح وحرب التحرير التي خاضها الثوار والمناضلون ضد الوجود الاستعماري البريطاني وقواته المحتلة المدعمة بكافة أنواع الأسلحة المدنية؛ ولكنها وقفت عاجزة أمام نضال شعبنا في جنوب الوطن وإرادة الثوار الذين حوّلوا حياة المستعمرين إلى جحيم لا يُطاق فقرّروا الرحيل عن وطننا مكرَهين. نحتفل اليوم باليوبيل الذهبي لثورة ال14 من أكتوبر، وقبل عام احتفلنا باليوبيل الذهبي لثورة 26 سبتمبر في ظل ظروف استثنائية وصعبة يعيشها وطننا وشعبنا اليمني، وهو ما حال دون الاحتفاء بالمناسبتين كما كنا نتمنّى أن يكون الاحتفال بهما بهيجاً وبما يليق بعظمتهما والتضحيات الكبيرة التي قدّمها شعبنا اليمني في سبيل انتصارهما وتحقيق أهدافهما العظيمة وفي مقدمتها «التحرّر من الاستبداد والاستعمار ومخلّفاتهما، وإقامة حكم جمهوري عادل، وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات، وإعادة وحدة الوطن». من المؤسف أن تهلّ علينا أعياد الثورة والاستقلال والوحدة في ظل هذه الأوضاع العصيبة التي يمر بها وطننا وشعبنا اليمني، وفي ظل ارتفاع الأصوات المنادية بالانفصال والعودة بالوطن والشعب إلى ما كان عليه الوضع المؤسف قبل 22 مايو 1990م. من المؤسف أن ترتفع تلك الأصوات المنادية بالتحرير والاستقلال من «الاستعمار» حيث لا تعترف تلك الأصوات أن ما تم في 22 مايو 1990م إعادة لوحدة الوطن اليمني أرضاً وإنساناً؛ وإنما تعتبر ما حدث هو وحدة بين دولتين وشعبين، ولا يعترفون بواحدية أهداف الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر ونضال أبناء الشعب اليمني في الشمال والجنوب للتحرُّر من حكم الإمامة والسلاطين والاستعمار البريطاني. فهل يستطيع هؤلاء أن يقدّموا الدليل القاطع أن عدن ولحج والضالع وأبين وحضرموت وشبوة والمهرة ليست جزءاً من اليمن الكبير، وهل يستطيعون تقديم الدليل القاطع على عدم واحدية النضال الوطني للشعب اليمني وواحدية أهداف الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر، وهل يستطيعون إنكار أن مفجّر ثورة 14 أكتوبر الشهيد البطل غالب بن راجح لبوزة وكوكبة من الثوار كانوا يقاتلون دفاعاً عن ثورة 26 سبتمبر في شمال الشمال، وأن الشهيد علي أحمد ناصر عنتر ومعه كوكبة من ثوار 14 أكتوبر شاركوا في معارك فك الحصار عن العاصمة صنعاء في ملحمة السبعين يوماً، وهل يستطيعون تقديم الدليل على أن الشهيد عبدالفتاح اسماعيل والشهيد مهيوب غالب علي الشرعبي “عبود” والشهيد عبدالعزيز عبدالولي، وعبدالله أحمد الخامري ومحمد سعيد عبدالله حاجب “محسن” وراشد محمد ثابت وعبده علي عبدالرحمن وعلي صالح البيضاني واسماعيل محمد شمسان الزريقي واسماعيل الشيباني وعبدالعزيز سلام وغيرهم كثيرون من أبناء المحافظات الشمالية كانوا من العناصر القيادية وأبرز العناصر الفدائية إبان مرحلة التحرير والكفاح المسلّح..؟!. ما من شك أن هناك أخطاء وممارسات غير سوية حدثت خلال الفترة الماضية التي أعقبت حرب صيف 1994م والتي أساءت إلى الوحدة وشوّهت وجهها الجميل، لكن ذلك لا يعطي مبرّراً للقضاء على منجز الوحدة الذي يُعد أعظم الإنجازات وأكبر الانتصارات التي حقّقها الشعب اليمني والثمن العادل لكل نضالته وكفاحه وتضحياته، وإنما يعطي مبرّراً قوياً لإصلاح تلك الأخطاء والممارسات التي ارتكبت. فإصلاح الخطأ لا يكون بارتكاب خطأ أفظع منه، والفرصة مواتية اليوم لإصلاح تلك الأخطاء؛ إذ يجب على كل الوطنيين والوحدويين اليمنيين الحفاظ على الوطن اليمني موحّداً في إطار دولة اتحادية مكوّنة من خمسة أو سبعة أقاليم، وعلى أسس دستورية وضمانات قانونية تكفل العدالة والمواطنة المتساوية، وإعادة الحقوق إلى أصحابها، فكل ما تم أخذه من ممتلكات خاصة وعامة يجب إعادته، والتعويض العادل عمّا ترتّب على أخذ تلك الحقوق. ومؤتمر الحوار الوطني الشامل هو الفرصة التاريخية الوحيدة لتحقيق آمال وطموح أبناء الشعب اليمني كافة؛ ولذلك فإنه يتوجّب على أصحاب فكرة الانفصال أن يحكّموا عقولهم ويراجعوا حساباتهم ويضعوا المصلحة الوطنية فوق المصالح الشخصية والحزبية. وعليهم أن يعوا أن العودة بالوطن اليمني أرضاً وإنساناً إلى الوضع الذي كان قائماً قبل مايو 1990م لن يكون في صالح الجنوبيين والشماليين؛ فلن يظل الجنوب كما كان جنوباً، ولا الشمال شمالاً؛ فمخطط “الشرق الأوسط الجديد” واضح وليس فيه غموض، فأية خطوة إلى الوراء إنما هي خطوة نحو التشرذم والانقسام لا سمح الله {ربنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب}.. صدق الله العظيم..