صادف يوم أمس الأحد حلول العيد ال49 لثورة ال14 من أكتوبر المجيدة التي انطلقت شرارتها الأولى من جبال ردفان الشماء بقيادة الشهيد البطل راجح بن غالب لبوزة الذي عاد من جبهات القتال دفاعاً عن ثورة 26 سبتمبر في المناطق الشمالية من الوطن مع المجاميع المسلحة من أبناء ردفان ليطلق الشرارة الأولى لثورة 14 أكتوبر لتحرير الجزء الجنوبي لليمن من الاحتلال البريطاني والحكم السلاطيني اللذين حاولا وأد الثورة في مهدها واعتبارها مجرد انتفاضة أو تمرد قبلي مسلح ضد السلطات الاستعمارية التي أرسلت قوة عسكرية كبيرة لمحاصرة الثوار في ردفان وإجبارهم على الاستسلام وتسليم الأسلحة التي أحضروها معهم من الشمال، ورغم عدم التكافؤ في العدد البشري والعتاد العسكري إلا أن الثوار من أبناء ردفان العائدين من جبهات القتال في المحابشة دفاعاً عن ثورة 26 سبتمبر رفضوا الاستسلام وتصدوا لقوات الاحتلال ببسالة، وكان البطل راجح لبوزة أول الشهداء الذين سقطوا يوم 14 أكتوبر أثناء المواجهة غير المتكافئة مع قوات الاحتلال البريطاني المدعمة بكافة أنواع الأسلحة الحديثة. وقد اعتقدت سلطات الاحتلال البريطاني وأعوانه من السلاطين والعملاء أنه قد تم وأد الثورة في مهدها باستشهاد قائدها البطل راجح لبوزة ولم يدركوا أن استشهاده قد أشعل فتيل الثورة التي امتدت شرارتها لتشمل كافة مناطق الجنوباليمني المحتل، حيث أعلنت الجبهة القومية لتحرير الجنوب المحتل تبنيها للكفاح المسلح ضد الوجود البريطاني لنيل الاستقلال، ورغم حرب التحرير التي خاضها الثوار ضد قوات الاحتلال في الأرياف والجبال إلا أن سلطات الاستعمار كانت مطمئنة إلى عدم امتداد الكفاح المسلح وحرب التحرير إلى مدينة عدن التي كانت محاطة بسياج وطوق عسكري يصعب اختراقه لكونها مقر القاعدة البريطانية في الشرق الأوسط وفيها مقر الحاكم البريطاني والإدارة المركزية للمعسكرات البريطانية الضاربة والشركات الاحتكارية والوكالات التجارية، ولكن الثوار تمكنوا من اجتياز ذلك السياج ونقل العمل الفدائي إلى مدينة عدن في أغسطس عام 1964م أي بعد أقل من عام من اندلاع الثورة في ردفان، فمثل ذلك ضربة موجعة غير متوقعة لسلطات الاحتلال. وقد تميزت العمليات الفدائية في عدن بالتخطيط والدقة في التنفيذ الأمر الذي حول حياة قوات الاحتلال إلى جحيم لا يطاق حيث خلفت تلك العمليات حالة من الذعر والخوف والهلع لدى المحتلين وعملائهم الأمر الذي دفعهم للتصرف بهستيريا بسبب تكبد قوات الاحتلال البريطاني خسائر كبيرة ومؤثرة أحدثت أصداء واسعة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي خصوصاً وأن العمليات الفدائية تتصاعد يوماً بعد يوم.. وبحسب ما أورده المناضل محمد سعيد عبدالله حاجب «محسن» في كتابه «صفحات من تاريخ الثورة اليمنيةعدن.. كفاح شعب وهزيمة امبراطورية» فإن العمليات الفدائية في عدن مثل «إحراق المطابع وضرب المجلس التشريعي والهجوم الضخم على الإذاعة المركزية ونسفها ونسف طائرة المندوب السامي البريطاني ومهاجمة الضباط الإنجليز في ثكناتهم وقتل «ارثرتشارلس» رئيس المجلس التشريعي و«هاري بيري» نائب رئيس جهاز المخابرات البريطانية في عدن وتنفيذ حكم الإعدام على الجواسيس في الشوارع والهجوم على منازل كبار الضباط البريطانيين في خور مكسر والمعلا وضرب المطار العسكري أكثر من مرة والصدام مع الدوريات البريطانية عند مجيء بعثة الأممالمتحدة طيلة فترة تواجدها في عدن من 2 7 ابريل 1967م وضرب سجن المنصورة بالبازوكات ومنزل المندوب السامي البريطاني وضرب نقاط ومواقع البريطانيين في كريتر والتواهي والمعلا وغيرها من الأحياء.. تلك العمليات زرعت الخوف في نفوس قوات الاحتلال البريطاني وعملائه وعمقت من ارتباط الشعب بالثورة.. إن كل الأحداث والشواهد تؤكد بالدلائل القاطعة واحدية نضال اليمنيين ضد الإمامة والسلاطين والاستعمار الأجنبي.. فهل يستطيع أولئك الذين ينكرون اليوم عدم واحدية الثورة اليمنية 26 ستمبر و14 أكتوبر ويتحدثون عن شعب يمني وشعب الجنوب العربي.. هل يستطيعون أن يأتوا بدليل واحد يؤكد أن الشعب اليمني عبر التاريخ كان شعبين «شعب يمني وشعب الجنوب العربي» وهل يستطيعون إنكار واحدية الثورة اليمنية وامتزاج دماء اليمنيين من شمال الوطن وجنوبه في صنعاء ضد الإمامة وفي عدن ضد السلاطين والاستعمار البريطاني الغاصب..؟ هل يستطيعون إنكار أن الهدف الأول من أهداف الثورة ينص صراحة على «التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات»؟ وهل يستطيعون إنكار أن الرئيس الراحل قحطان محمد الشعبي الذي رأس وفد الجبهة القومية لتحرير جنوباليمن المحتل إلى جنيف لإجراء مفاوضات الاستقلال في نوفمبر 1967م وأول رئيس لجنوب الوطن «جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية» بعد الاستقلال كان وزيراً لشؤون الجنوب في حكومة الثورة بصنعاء برئاسة الزعيم عبدالله السلال وهو من أبناء محافظة لحج.؟ وهل يستطيعون إنكار أن الشهيد عبدالفتاح اسماعيل هو من أبناء محافظة تعز وأنه مؤسس الحزب الاشتراكي اليمني وأنه كان أحد أبرز العناصر القيادية الفدائية إبان مرحلة التحرير والكفاح المسلح وتولى قيادة القطاع الفدائي في عدن وكان عضواً في وفد مفاوضات الاستقلال وعين وزيراً لشؤون الوحدة في أول حكومة بعد الاستقلال برئاسة الرئيس قحطان الشعبي وأنه تولى منصب رئيس الدولة والأمانة العامة للحزب الاشتراكي اليمني في الجنوب للفترة من 1978 1980م، وهل يستطيعون إنكار أن المئات من أبناء الجنوب وفي مقدمتهم الشهيد راجح لبوزة قاتلوا في جبال المحابشة دفاعاً عن ثورة 26 سبتمبر وأن الشهيد علي عنتر والشهيد صالح مصلح قاسم والمناضل عمر الجاوي وغيرهم من مختلف مناطق الجنوب شاركوا في معارك فك الحصار عن العاصمة صنعاء في ملحمة السبعين يوماً؟ وهل يستطيعون إنكار مشاركة الآلاف من أبناء المحافظات الشمالية والغربية في حرب التحرير ضد الاستعمار البريطاني في الجنوب؟ وهل يستطيعون إنكار الأدوار البطولية والنضالية ضد الاستعمار البريطاني والسلاطيني للشهيد عبدالفتاح اسماعيل والشهيد مهيوب غالب الشرعبي «عبود» والشهيد عبدالعزيز عبدالولي ناشر العبسي «قادري» ومحمد سعيد عبدالله حاجب «محسن» وعبدالله أحمد الخامري وراشد محمد ثابت واسماعيل محمد شمسان الزريقي وعبدالجليل محمد ابراهيم واسماعيل الشيباني ومحمد أحمد جازم وعبدالعزيز سلام وعبدالله محمد سيف «سرحان» وعبده فازع النجادة ومحمد الإبي «صائد الدبابات البريطانية» وعبدالرحمن الصريمي وأحمد علي مقبل وغيرهم وغيرهم ممن لا يتسع المجال لذكرهم لأنهم بالآلاف؟ وهل يستطيعون إنكار أن عدن احتضنت الأحرار والثوار من أبناء الشمال وفي مقدمتهم الأستاذ أحمد محمد نعمان والأستاذ عبدالله عبدالوهاب نعمان واللواء محمد قائد سيف والزبيري والموشكي وغيرهم من المناهضين للحكم الإمامي الكهنوتي أو إنكار أن تعز احتضنت الثوار وكانت بمثابة قاعدة لتدريبهم وانطلاقهم لخوض حرب التحرير ضد الاستعمار والسلاطين في الجنوب؟. ما حدث من ممارسات وسلوكيات خاطئة من قبل البعض بعد إعادة وحدة الوطن في 22 مايو 1990م لا يمكن أبداً أن تلغي حقيقة واحدية النضال الوطني وواحدية الثورة اليمنية 26 سبتمبر و14 أكتوبر ضد الحكم الإمامي الكهنوتي في الشمال والسلاطيني والاستعماري البريطاني في الجنوب وكذلك لا يمكن معالجة الأخطاء التي حدثت جراء الممارسات الخاطئة بخطأ أكبر ستكون له انعكاساته الكارثية على اليمن أرضاً وإنساناً، فالحل ليس ذلك الذي يطرحه دعاة الانفصال في الجنوب ولا ذلك الذي يطرحه أصحاب المصالح والمطامع الشخصية والمشاريع الصغيرة في الشمال والذين ينظرون لمصلحة اليمن من زاوية مصالحهم الشخصية الآنية.. وإنما الحل يكمن في الحفاظ على الوحدة وإعطاء كل ذي حق حقه وإقامة الدولة المدنية الحديثة دولة النظام والقانون والمواطنة المتساوية.