لاتجعلوني أشعر بالحزن الشديد لملامح غرابتكم تجاه سؤالي.رغم معرفتكم أن لاشيء يشبهها.. صحيح ان وجودك فيها يعني انك مازلت في اليمن ولكن مهما يكن ذلك فلا مجال للمقارنة ابدا ابدا., وليس هذا الحديث مجرد رأي كونها حقيقة واقعية لايمكن لاي فترة من الفترات الزمنية محوها وفي أي حال من الاحوال . هل ستقولون بأن عدن هي جنة الدنيا وانها من اقدم محافظات اليمن علما وثقافة !فليكن ذلك ولكن لابد من الاعتراف بأن رواد التنوير فيها هم من ابناء تعز التي كان يطلق عليها “المدينة” في عقد السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي . ليس كما هو المعتقد السائد لدينا بأن المدينة تعني مكان تواجد الاسواق وازدحام البشر ووجود المراكز الحكومية فيها بل المقصود “المدينة المتمدنة” أي التي يمارس فيها اسلوباً الحياة المدنية والتي اكتشفنا بأن تحقيقها اليوم يبقى مجرد حلم يقضنا منه ذلك التضاد القبلي المتخبط .تعز هي مدينة وتحيط بها العديد من المديريات والقرى الريفية وحتى من ارياف المحافظات الأخرى كان الواصل اليها لابد وان يحترم قوانين مدنيتها , ولم يكن ذلك بشكل ارغامي وانما رغبة في التماشي والتأقلم مع نمط وسلوكيات الحياة فيها وأيضا ميول الانخراط وسط مجتمعها الراقي لغة وفعل , ولم تكن مقومات الحياة فيها تخلو كليا من مجرد ظاهرة حمل السلاح وحسب بل كان من جماليات العيش فيها هو التجرد من غوغاء التعصبات الفكرية والطائفية أو حتى الشعبية المتخلفة .اتذكر هنا احد المواقف من عهد الصبا حين جاء الينا احد الاقارب قادماً من مدينة تعز فألهب حماسي ولملم اشواقي وامنياتي المتناثرة الى هذه المدينة جراء حديثه ووصفه عنها وعقب ذلك الشجون قررت الرحيل معه من تلك القرية التي كان خيال تعز يغيبها امامي , وقطعت مسافات شاسعة سيرا على الاقدام متحديا السيول الجارفة في «وادي بنا» حتى اصل مكان تواجد السيارات “الفرزة” وصعدنا على متن سيارة “شاص” نحن ومجموعة على ظهرها “البودي” في الطريق كان معنا صبي يكبرنا يرتدي بنطلوناً وحذاء كنت اعتبره راقياً غير ان رجلاً سأله عن وجهته فرد عليه الى تعز فتحدث اليه الرجل ثانية بنوع من الدهشة قائلا:كيف ستدخل الى هذه المدينة الراقية بهكذا ملابس ؟ ألم تدخلها من قبل لترى روائع الملبوسات التي يرتديها صبيانها وشبابها!! حينها صعقت وانا انظر الى رثة ملابسي وشعرت بأنني سأكون مخالفا وان الجميع سوف يشير نحوي , وفعلا بمجرد ان وطأت قدماي تعز حتى ارغمت قريبي على شراء ملابس اتوحد بها مع صبيانها .. , وبما انني ابن ريف فلم اكن متعودا على السهر والابتعاد عن المنزل خلال الليل لكن قريبي كان يصطحبني معه مؤكداً لي بأن الليل هنا أمان و بحركة الناس المتواصلة يشبه النهار .,ومضت سنوات لن تنسى من حياتي ..عالم آخر ونمط معيشي مختلف تماما وفرحة لاتغادر القلب ابدا. فلم اسمع يوما ان عصابة قد قطعت طريق احد أو أن طفلاً تم اختطافه . أو أن احداً ما قد اصيب بطلق ناري أو حتى صوت الأعيرة مفقود تماما بل تعلمت اشياء كثيرة وعرفت بأن سكان كل الاحياء منها هم اسرة واحدة مما جعلني أعتقد بأن تعز هي أم الدنيا. ثقافة – سينماء- مسرحاً – موسيقى- ادباً, واخلاقيات السلوك في التعامل.فهل نترجم ما يحدث اليوم فيها على انه حقد دفين تسعى قوى التخلف الى محو ذلك التاريخ الرائع !!ام ان حب ابنائها ورغبتهم الجامحة لتعميم التنوير وبزوغ فجر الحياة المدنية في ربوع الوطن قد شكل لها فصيلاً من العداء القبلي والسياسي القاطن دوما في مستنقعات الجهل والتخلف ليسهل معه السيطرة على أبناء الشعب وقيادتهم بتلك العقول الخاوية من الفكر الى المجهول دوما!!.. رابط المقال على الفيس بوك