قبل عدة أيام كانت إحدى النقاط الأمنية بالعاصمة صنعاء مسرحاً لصورة ولو جزئية من استعادة هيبة الدولة وكرامة الجندي التي طالما أُهدرت جراء سيادة منطق «حكم القوي على الضعيف». رجال الأمن في تلك النقطة تصدوا لعنجهية ابن وزير «لا ندري أهو من طيور الظلام أم النور» لكنه حاول استعراض عضلات قوتها السلاح والمرافقون, وطبعاً الجنود كانوا يؤدون واجبهم بأمانة وبضمير ووطنية، ولا يستطيع أحد أن يعتبر الدرس الذي لقنوه لابن الوزير هو «خبطة في برج». والحقيقة أننا بحاجة إلى أن نسمع يومياً عن أخبار انتصارات كرامة وانتصارات وطن تحققها نقاط أمنية تقتص لهيبة الدولة وكرامة الجندي ولحق القانون والنظام من أنجال عشرات الوزراء ومئات الزعامات والنافذين الذين يقودون ميليشيات مسلحة ويمر أبناؤهم كأطفال رُضّع لكن مدججين بالأسلحة والمرافقين وبجرعة كبيرة من النخيط وقلة الأدب. فيما مضى كان يجري إلقاء اللائمة على الرئيس السابق الذي منحهم شهر عسل أو بالأصح ثلاثة عقود عسل ليتحولوا إلى غول نفوذ مسلح واخطبطوط فساد يعرقل النظام والقانون، ثم حين أصبح كثير منهم ثوريين ومرددين لشعارات السلمية والدولة المدنية, قلنا إن هذا الوطن قد صبر عليهم الكثير وبقي أن يصبر القليل بانتظار أن يعودوا إلى ثكناتهم حال أن يتم إسقاط النظام وفقاً لما كانوا يرددون ويتعهدون بإفساح الطريق لرجال التغيير المدنيين من أجل المضي في بناء الدولة المدنية الحديثة دولة النظام والقانون والمؤسسات. لكن للأسف الشديد أننا نجد الآن ممارسات أسوأ للنافذين الجدد أو بالأصح «النافذين القدامى الجدد» الذين يرتكبون ويرتكب معهم أبناؤهم أفعالاً مشينة ودون أدنى حياء أو خوف, ويجبروننا بذلك على أن نعترف بحقيقة أن صراع المصالح هو من دفعهم إلى النزول من سفينة وركوب أخرى مع شركاء وحلفاء مصالح جدد. وعندما يقف والد أحد شهداء التغيير متأملاً نجل أحد وزراء ما بعد التغيير وهو يطفح بالعنجهية والتعالي وقلة الأدب, فإنه يلعن الزمن الذي جعل من دم ابنه وقوداً لصولجان ونفوذ وغطرسة هؤلاء. وبالتوازي مع سوءات ومساوئ النافذين وأنجال النافذين المدججين بقوة السلاح وعديد المرافقين، مستبيحين على الأرض النظام والقانون والأمن والكرامة, يبرز في مسار موازٍ لذلك «القمع المعنوي» الذي يمارسه رجالات دولة جدد وأطفال قذفت بهم إلى الواجهة أحزاب سياسية وصلت إلى السلطة على جماجم المسحوقين ودماء الشباب الحالمين الذين قدموا أرواحهم قرباناً لوطن غال ومستقبل منشود يعم رخاؤه الجميع دون تمييز، فإذا بهؤلاء الواصلين الجدد يسلكون مسلك التعالي والغرور ويمارسون سياسة الإقصاء والتهميش بحق الآخرين، ضاربين عرض الحائط بمبدأ الكفاءة والنزاهة, وذلك انطلاقاً من تصنيف حزبي محض, وهذا الأمر كفيل بأن يمنحهم الانتكاسة مجدداً؛ لأن تجارب التاريخ علمتنا أن ذلك هو درب الإقصائيين ونهاية حتمية للانتقاميين. رابط المقال على الفيس بوك