الإشاعة هذه الأيام شغالة رسمي فهي لا تقل عن الأعمال الإجرامية، هدفها خلط الحابل بالنابل وضرب تماسك المجتمع وروحه المعنوية وتشتيت ذهنه . الأمر يحتاج إلى انتباه من التخريب والإشاعة بنفس الدرجه على حدٍ سواء.. فكلاهما تخريب وأثرهما متقارب إن لم يكن أثر الشائعة أكثر، لأنها تستهدف روح المجتمع وتماسكه وبث الشك والتوحّش والريبة بين الناس بما يشبه عمل المخدّرات والسموم في الجسم... الإشاعة هي الصورة الأخرى للتخريب وتدمير المجتمعات وهي تمثّل طابوراً خامساً مشتتتاً للمجتمعات توظّف المجتمع لضرب نفسه بنفسه وتسحب كل قواه العقلية والمادية لتوظّفه لصالح عدوّه, تُطلق كذبة وتتحوّل في حالة رخاوة المجتمع وقلّة عقل الناس إلى فتن حقيقية من لا شيء.. تنتشر الإشاعة في الفترات الانتقالية التي تمرُّ بها المجتمعات بعد الحروب أو الثورات، حيث ينعدم اليقين وتتعثّر الرؤيا ويتكثّف الضباب المعتم ويكثر الترقُّب، فتصبح نفسية الناس مترقّبة تشعر بحاجة إلى الجديد، فتتسابق الخيالات لتأليف القضايا واستغلال الأحداث لتجييرها في بثّ الفتن, والخطورة تكمن في قابلية الناس للإشاعة وتصديق أيّ خبر بدون تروٍ وربما يتخذ الناس مواقف وردود فعل ضد بعضهم تتحوّل إلى فتن وثأرات حقيقية يكون سببها شائعة كاذبة وغير منطقية.. الإشاعة تعدّ لها الأنظمة وقت الحروب وزارات خاصة مثلها مثل وزارة الحربية والدفاع وفي الصراعات الداخلية والثورات المضادة تتحدّد غُرف عمليات خاصة لبثّ الشائعات التي تستهدف في العادة القوى والشخصيات الفاعلة في المجتمع... غير أن الشائعة تنجح بسبب ضعف المجتمع وترهّله أو تفشل بسبب قوة ترابط المجتمع وقاعدة وعيه السياسية كما تفعل الخبرة في بث وانتقاء الشائعة دوراً في تأثيرها أوسقوطها، حيث ترتد بعض الشائعات إلى أصحابها عندما تصطدم بالحقائق الدامغة التي تكشف الشائعة وزيف أصحابها وحقارتهم في نظر المجتمع.. حيث يمثّل فشل الشائعات حصانة للمجتمع وقوة للجهات المستهدفة من الشائعة. عندما يستجيب الناس للإشاعات فإنهم يفقدون قوتهم وتوازنهم العقلي، فتبدو ردود الأفعال سخيفة وحمقاء، حيث يدخل المجتمع في ثأرات وربما حروب حقيقية انطلاقاً من قبول الشائعة التي تغيب وتبقى الأحقاد والثأرات التي صنعتها الاستجابة الغبية من المجتمع أو الأشخاص، حيث يتحوّل الحليم إلى أحمق والذكي إلى غبي والقوي إلى ضعيف والسياسي الحاذق إلى مخبول، فيجري الكل ببنادقهم وسكاكينهم المشحوذة ب (قالوا وقالين) ولايلحق هذا المجتمع أو الشخص ليرى حالته المزرية وسقوطه المريع بفعل الشائعة التي لم يتعامل معها بحذر كعدوٍ حقيقي... والقرآن الكريم يحذّر من هذا ويصف هذا النوع المروّج للأكاذيب ب(الفاسق)، فتأملوا، وتبيّنوا قبل أن تقعوا في حفرة الندم وهي حفرة «خيبة» وعويصة.. الخروج منها يستوي مع البقاء فيها و(تصبحوا على ما فعلتم نادمين). [email protected] رابط المقال على الفيس بوك