نحن نعلم أن على مدى نصف قرن من الزمان قد توالى على تعز محافظون كثيرون، فمنهم من أحسن ومنهم من لم يُحسن ومنهم من خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، ومنهم من كانت أخطاؤه فادحة، ومنهم من كانت أخطاؤه مستورة وكان هناك في تعز من يحكمهم المحافظ ومنهم من كانوا يحكمون المحافظ ويأمرونه أن يفعل كذا ولا يفعل كذا، وكان هو يعرف من يطيع منهم ومن يعصي، وكان يعلم أن المسألة لا علاقة لها بمن هو على حق أو على باطل، فالأمور محكومة بالقرب أو البعد من القيادة العليا ولا علاقة لها بقانون ولا بشرع ولا بمصلحة اليمن ولا العروبة ولا الإسلام، كان هناك عبث في التخطيط وعبث في انتهاك القوانين وعبث في سرقة الأموال العامة وعبث في التعليم والثقافة وعبث في صحة البيئة والصحة العامة، كان هناك عبث في المستشفيات وفي الخدمات بشكل عام في كل موقع من مواقع مؤسسات الدولة، مقابل هذا كلّه كان هناك صمت ليس لأن الكلام كان ممنوعاً، كلا، فهناك الصحافة لا تكف عن (الهدار) كانت هناك صحف تُصدر يومياً وأخرى أسبوعياً لكنها خرساء رغم كثرة كلامها وهدارها، فالكلام غير ممنوع، ولكن ما فائدة الكلام إذا كان تمجيداً وما فائدة النقد إذا لم يكن بنّاءٍ ومفيداً؟ كان هناك رقباء لا يراهم سوى رؤساء تحرير الصحف يسمحون فقط بالنقد الموجّه للخصوم المعارضين أو للأشخاص والجهات التي تريد القيادة التخلّص منها، وما عدا ذلك فقد كان الإعلام صامتاً مبدأه الأساسي في التعامل مع النقد (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول) ولأن الله تعالى قد استثنى من ذلك إلا من ظُلم، فقد كان هناك أيضاً الاستثناء المعتمد عندهم (إلا من ظَلم) بفتح الظاء وليس بضمّها .. كان الكثيرون من موظفي الدولة مستفيدين من الأوضاع السياسية التي يمثّلها الحزب الواحد والقائد الواحد، كان الكثيرون منهم يتمتعون بامتيازات مالية وعقارية، كان بعضهم (نِتْفَاً) في البداية فإذا به وقد صار ندّاً لأكبر التجّار وأكبر المستثمرين وإذا به يريد أن يستثمر أمواله ويوظّف ممتلكاته ومقتنياته، فدخل بعضهم في شراكات مع غيرهم ومثل غيرهم كان منهم محافظون وقادة محاور ومعسكرات وموظفون كبار ومقربون ومتنفّذون وغيرهم يشكّلون في مجموعهم جداراً من الفولاذ غير قابل للاختراق إلا ان يشاء الله وقد شاء سبحانه وتعالى أن يتصدّع ذلك الجدار الفولاذي المُخيف، لكن مكوناته التي فقدت تماسكها تحتاج وقتاً كافياً لتستوعب الحدث وتعيد ترتيب أمورها مستعينة بالله هذه المرة وليس بالأفراد، لكي تستطيع خدمة مصالح بلادها وعقيدتها السمحاء، بعد أن ظلت فترة طويلة من الزمان مشغولة بخدمة مصالحها وتحقيق أهدافها الأنانية ومن يدري لعل الكثيرين من هؤلاء الذين هزّهم الحدث يتملّكهم الشعور بالندم على ما فرّطوا في حق وطنهم وما اقترفوا من آثام وأخطاء في حق الناس وحق التنمية وحق التعليم، فيدفعهم الشعور بالندم إلى أن يضحّوا بأية مصلحة شخصية من أجل مصلحة البلاد والعباد، ليعوّضوا ما فات. جاء المحافظ الجديد بعد كلّ هذه الأحداث التي مرّت بها بلادنا يحمل في يده اليمنى حقيبة فيها مستقبل تعز، خطط ومشاريع ورؤى مستقبلية وحلول لكل مشاكل المحافظة يأتي في مقدمة هذه المشاكل: مشكلة الماء ثم الكهرباء ثم صحة البيئة ثم يأتي بعد ذلك مشكلة البطالة وما تحمله معها من تداعيات أخلاقية وسلوكية، مشكلة القات وما يجلب معه من تدهور وانهيار لأخلاق الشباب الذين يقضون ليلهم في السهر والشطر الأول من النهار في النوم وتأتي بقية المشاكل تترى: الدراجات النارية، وسائل المواصلات الرديئة والخردة التي أضافت أعباءً خطيرة على البيئة وعلى الصحة بسبب عوادم السيارات الخردة التي تنفث دخانها في وجوه الناس، الكبار والصغار، الطلبة والطالبات، فيؤثر ذلك على ذكائهم وقدرتهم على الفهم والاستيعاب، فإذا بهم وقد تحوّلوا إلى أجسام بدون عقول تستوعب أو تفهم فلا يجدون آخر العام وسيلة تمكّنهم من النجاح سوى الغش في الامتحانات، كل هذه وغيرها مشاكل توضع أمام المحافظ ومطلوب منه أن يجد لها حلولاً عاجلة.. وقد كان بالإمكان جداً أن يجد المحافظ حلولاً لكثير من هذه المسائل ويضع جدولاً توضح فيه أولويات المسائل التي تحتاج إلى أن تكون في مقدمة المسائل الأخرى.. كان المحافظ يملك الحماس الشديد ويملك الرغبة في أن يفعل شيئاً يستطيع من خلاله تغيير شبح الكآبة المرسوم على صفحة الحياة اليومية للمحافظة، كان شوقي أحمد هائل قد عقد العزم على أن ينهج نهجاً جديداً في التعامل مع الاحتياجات الضرورية ، قرّر أن يواجه التحديات التي كانت تبدو صعبة وغير ممكن تحقيقها في الفترة القصيرة وكان يعلم أنه لن يستطيع ذلك إلا إذا أعطى هذه المسائل من وقته وجهده وفكره وماله الشيء الكثير والكبير والمضني أيضاً وقد كان يحتاج أيضاً إلى الرجال من حوله، كان يحتاج إلى مزيد من الإخلاص والتفاني من جانب الآخرين، كان أيضاً يحتاج إلى دعم الأحزاب المؤثّرة في الساحة ودعم الجهات الأمنية والرجال أصحاب الوجاهات، كان يحتاج أيضاً إلى دعم الرجال المخلصين، سواء كانوا عسكريين أم مدنيين أم كانوا شيوخاً أم قبائل، كان يحتاج كل ذلك.. فماذا وجد؟ هل وجد محافظ تعز الدعم الذي كان ينشده أم أنه وجد غير ذلك؟ من يستطيع أن يجب على هذا السؤال وغيره؟ وإذا كان للتاريخ وظيفة اجتماعية، من حيث إنه يلبي حاجة الجماعة البشرية إلى معرفة ذاتها.. وقد جاء في تعريف علم التاريخ إنه ( معرفة أحوال الطوائف وبلدانهم ورسومهم، وعاداتهم وصنائع أشخاصهم وأنسابهم إلى غير ذلك فياترى ماذا سيقول التاريخ عندما يحين أوان تسجيل أحداث هذه المرحلة من حياة اليمنيين؟ سيذكر التاريخ أن هناك كانت أحزاب وقبائل وشيوخ قبائل ورجال إعلام وعلماء دين ومفكرين وأساتذة جامعة ومعلمات ومعلمين وكانوا جميعهم يعلمون أن بلادهم تمرُّ بمرحلة دقيقة جداً غاية في الخطورة والأزمات الطاحنة تلف حولها، كانها الأعاصير وكان الظرف عصيباً إلى أبعد الحدود، فقد كان الاقتصاد قاب قوسين من الانهيار والتعليم قد طُمست معالمه إلا من آثار له هزيلة تمثلها المدارس قليلة العدد، ضعيفة الأداء، مسلوبة الإرادة والشخصية تقودها كوادر غير كفوءة تحتاج إلى العلم وتنقصها المعرفة الحقيقية ومعزولة تماماً عن المستويات العالمية والمستويات الاقليمية، أما الشباب والفتيات فإن شعورهم بالتدني في مستوياتهم التعليمية والمعيشية قد ولّد عندهم الشعور بالضياع وباليأس، حتى لقد صار واضحاً لدى العقلاء وغير العقلاء أن الوقت صار متأخراً جداً على أي ترميم، ناهيك عن أيّ إصلاح حقيقي.. ومع ذلك هل استيقظت الأحزاب والفرق السياسية والجماعات الفاعلة في المجتمع؟ هل استشعروا المسئولية؟ هل تذكّروا أن التاريخ لن يرحم أحداً؟، هل تذكّروا أن التاريخ سوف يفضح مواقفهم التي يصل بعضها حد الخيانة للوطن؟ إن العالم القريب والبعيد مازال يرقبنا ويرقب حركات الأحزاب والجماعات وقد بدأ الذين يرصدون الأحداث يتساءلون: هل توجد في اليمن عقول؟ هل مازال في اليمن إيمان وحكمة؟ ويتعجبون كل العجب من تصرّفات الأحزاب والقبائل والشيوخ وكل من يتعاطى السياسة في اليمن، يأتون بمحافظ لمحافظة تعز يشهدون له بالكفاءة والنزاهة والإخلاص وتجدهم قد أشهدوا الدنيا كلّها في أن الله تعالى قد هداهم إلى الاختيار الأمثل والأفضل، فلا تمضي سوى شهور قليلة حتى تبدأ المكايدات والمماحكات ورغبة كل فريق في أن يعمل المحافظ لحسابه الخاص كأن ما كان بينهم من اتفاق ماكان!! وإذا بهم لا يكتفون بالمعارضة السلبية لبرنامج المحافظ بل يتجاوزون حدود اللياقة إلى مواقف تؤدي إلى تعطيل عمل المحافظ وتعطيل برنامجه الطموح في مواجهة الصعوبات الكبيرة والكثيرة ، كل ذلك من أجل تحقيق أهداف صغيرة وتحقيق رغبات أصحاب عقول أصغر من الأبدان وهمم أقل كفاءات من الخبرات!! إن هذه المناوشات الصغيرة التي تحدث بصورة مستمرة يرمى أصحابها إلى تعطيل مسيرة العمل في المحافظة وتعطيل فعالية كل البرامج التنموية والتعليمية والمعيشية.. فإن كان ذلك قصدهم : اللهم لا تُحقّق لهم غاية واهدنا وإياهم إلى سواء السبيل. يا أيّها التاريخ: بالله لا تنسى أن تكتب في أول صفحة إنه كان في هذه المرحلة في تعز بل في اليمن كلّه شيوخ وأحزاب وسياسيون كبار يشهدون الله على ما في أنفسهم وهم ألدّ الخصام. د.علي محمد سعيد الشيباني رابط المقال على الفيس بوك