مع أننا ننظر إلى المرآة لكننا والله العظيم لسنا نحن، وكل شيء يحصل من حولنا يجزم بذلك، والله لسنا نحن، لسنا أهل الإيمان والحكمة، ونحن بهذا الحال، فهل من أخلاقنا قطع الطريق، وسلب الناس ونهبهم، أين كان هؤلاء الناس، حتى لو كانوا أعداءنا، أيعقل أننا وصلنا إلى هذا الحد، نقتل الناس غدراً، حتى لو كانوا يخرجون من بيت الله، أو في بيت الله نفسه، والعجيب والمعيب أن من يفعلون ذلك يفعلونه باسم الدين، لا يعقل أن هذه أخلاقنا، أخلاق آبائنا وأجدادنا على الأقل، مع أننا أصحاب تاريخ يشهد لنا بالمروءة والأخلاق والشرف والعادات والتقاليد التي يفتقدها غيرنا من الناس في مختلف الشعوب والحضارات. فحادثة الاختطاف التي تعرض لها أقرباء المحافظ “شوقي هائل” لعلامة بارزة على ما وصلنا إليه من الضياع، وربما لأن من خطفوا على قدر من الأهمية والشهرة كتب عنهم ونشر وقرىء، أما من يخطفون يومياً من المواطنين فلا يعرف أحد عنهم شيئاً، ولا يطالب أحد بحقوقهم المنهوبة، التي ذاقوا المر والعلقم ليحصلوا عليها، حتى لا يموتوا جوعاً فقط، فمن يكتب عن هؤلاء، ومن يدافع ويبحث عنهم، كم بات مؤلماً ما نعيشه، كم بات موجعاً لا يمكن تحمله، أين أخلاقنا في المحافظة على أعراض الناس وكراماتهم وإنسانيتهم وحرماتهم، ونحن من كنا أرق قلوباً وألين أفئدة، ونحن من كنا نعيش في البيت الواحد من خمس إلى عشر أسر، ونأكل من نفس الوعاء، ونشرب من نفس الكأس، ونبكي إن بكى منا أحد، ونضحك إن ضحك منا أحد، ونتشارك في الفرح والترح، والجارة تصبح أماً لأطفال جارتها، وكأنهم أطفالها، والأخ يقتطع من جسده لأخيه، والصديق يسند صديقه في مرضه وحاجته، لو كان الثمن لقمة عيشه، والصغير يحترم الكبير، والابن والابنة لا يتجرآن على رفع نظرهما لنظر آبائهما وأمهاتهما، والله إننا كنا هكذا، كنا شعباً لا يقدر أحد يأخذ إلا من قلة المعروف والشرف، وذلك نادر جداً وشاذ لا يمكن أن يتكرر في نفس العام، لا في نفس الشهر والأسبوع كما هو اليوم في حياتنا، بات الإنسان اليمني الكادح الفقير ينظر إلى ورائه وهو يمشي، حتى لو كان معدماً، وإذا ما مرت دراجة نارية من جانبه شهد وهلل، وفر هارباً كأنه رأى عزرائيل، وأقبل عليه لقبض روحه، إذا خرج الإنسان مضطراً لسفر خارج العاصمة، كموت قريب أو زيارة مريض، فلن يصدق أهله عودته سالماً، إذا كان سفره لمناطق فيها تقطعات، وكأننا في فيلم رعب، أو في حروب مافيا، من يصدق أن اليمني يتقطع لأخيه اليمني في الطريق، ويسلبه ماله ويهتك عرضه ويهرب، ويقوم بعملية أخرى وثانية وثالثة، وكأن دم أخيه وعرضه بات مباحاً مهدراً لحد يبعث على الذهول والعجز والموت.. أين نحن مما كنا عليه، أين نحن، والله إننا ما عدنا نحن، ألم يحن الوقت لنلملم بقايا كرامتنا وإنسانيتنا ونعود كما كنا، حتى على الأقل في التعامل مع بعضنا برحمة وشفقة وإنسانية، إذا كان على مستوى المدارس الخاصة والقطاعات الخاصة، يداس الإنسان اليمني ويسحق ويهان، ويستعمله المدير كقطعة لبان، يمضغها في أي وقت شاء، ويقذفها للأرض متى شاء، وكأنه مجرد مسكن أو شطرنج، وهكذا في كل القطاعات الخاصة، وكأننا وصلنا لمرحلة مؤلمة جداً من الضياع والخذلان، وكل واحد يبحث فقط عن نقطة ينقض بها على الآخر ويحتل مكانه، لكن ما زال فينا الخير، ومازالت الرحمة موجودة، ومازال دين الله الحق في قلوبنا، ولن نسكت عن الحق، وسنقف بوجه كل المجرمين، وسنعود نحن، سنعود نحن بإذن الله..