بالنظر إلى الأهداف التي حددت لمؤتمر الحوار الوطني تحقيقها والعمل على إنجازها كمخرجات وطنية يتفق حولها جميع المكونات المشاركة فيه فإن بناء الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على أسس العدالة والمساواة والحكم الرشيد تعد من أهم الأهداف المحددة والموضوعة التي يجب على مؤتمر الحوار الخروج بها كونها مطلباً لجميع أبناء الشعب اليمني.. وتأتي بقية الأهداف لتصب في نفس هذا الاتجاه.. وإذا ما قارنا هذه الأهداف بما تضمنته وثيقة حلول القضية الجنوبية لوجدنا أن الوثيقة تجاوزت أو أغفلت تلك الأهداف وتركزت في اتجاه واحد كما أن هذه الوثيقة تؤسس لمشكلات جديدة من خلال ما تضمنته من مصطلحات تميز فئة من أبناء الشعب اليمني على حساب الفئة الأخرى وتعطيها الحق في التحكم بالسلطة والثروة.. الوثيقة أغفلت بدرجة رئيسية القضية الأهم والتي تتمثل بالعدالة والمواطنة المتساوية بين أبناء اليمن جميعاً حين اعتمدت فرز المواطنين على أسس مناطقية وإعادتهم إلى هوية ما قبل 22 مايو 1990م.. وهو ما يؤسس لمرحلة جديدة من المشكلات التي ستؤدي إلى خلق مزيد من الاحتقان والكراهية بين أبناء الوطن الواحد.. وإن تحدثت الوثيقة عن هوية يمنية موحدة في ظل دولة اتحادية لا يزال شكلها مجهولاً ومحل خلاف إلا أنها أعطت صلاحيات للأقاليم يفترض أن تكون من صلاحيات السلطة المركزية في هذه الدولة، خصوصاً فيما يتعلق في الثروات السيادية.. مما يعني أن السلطة المركزية ستفقد القدرة على إدارة شؤون الدولة الاتحادية بأقاليمها المتعددة.. لافتقارها للموارد التي يفترض أن تقوم بتوزيعها بحسب احتياجات كل إقليم ومما يضمن التنمية المتوازنة لمختلف الأقاليم.. كما أن الحديث عن تقسيم الجيش على أسس مناطقية يفقد الدولة المركزية هيبتها ويضعف الوحدة الوطنية كون المؤسسة العسكرية هي المؤسسة الوحيدة التي يجب أن يبقى ولاؤها لليمن بشكل عام وتبقى خاضعة للسلطة المركزية ولا يجب إخضاعها للمحاصصة والتقاسم المناطقي أو الحزبي.. يكفي أن ندرك جميعاً هنا أن هذه الوثيقة التي قوبلت باعتراض البعض تسببت بإحداث ضجة وقد تعصف بالتسوية السياسية إن لم يتم الاستماع إلى الملاحظات التي قدمتها الأحزاب والتنظيمات السياسية ومناقشتها بكل الصدق والمسؤولية واستيعابها بما يؤدي إلى تعزيز الوحدة الوطنية ويحافظ على الهوية الوطنية الواحدة بعيداً عن العصبية والمناطقية والشللية والجهوية.. الشعب اليمني يبحث عن حلول ومعالجات حقيقية تغلق ملفات الماضي وتستوعب متطلبات المستقبل..، ولا تعمل على خلق مشكلات جديدة تؤثر على مستقبل اليمن وتهدد أمنه واستقراره وسلامه الاجتماعي.. لنكن منصفين ونتحدث بعقلانية إن أردنا أن نوحد ولا نفرق ونبني ولا نهدم.. فالوثيقة بحاجة إلى مراجعة فعلية بعيداً عن الشطط والمغالاة، وبعيداً أيضاً عن الحسابات الآنية وأنصاف الحلول.. إن الوثيقة تثير العديد من التساؤلات عن مصير الدولة المدنية التي يفترض أن تكون عنوان المرحلة القادمة، وعن مصير العدالة والمساواة في ظل هذا الفرز المناطقي أو التقاسم مناصفة بين الشمال والجنوب..، وعن السلطة المركزية التي ستفقد القدرة على التحكم في إدارة شؤون الدولة الاتحادية؟!.. والسؤال الأهم: إلى أين ستقود هذه الوثيقة اليمن واليمنيين إذا ما تم اعتمادها كما هي دون استيعاب الملاحظات والمآخذ التي حددتها الأحزاب والتنظيمات السياسية التي رأت فيها أضراراً مستقبلية ستلحق باليمن أرضاً وإنساناً؟!.. [email protected]