أتذكر جيداً عام 1990م عام الوحدة اليمنية رغم صغر سني آنذاك ولا تزال في مخيلتي مشاهد الفرحة والسرور بين الكبار والصغار والمظاهرات والأصوات والهتافات الصاخبة في الشوارع المبتهجة بقيام الوحدة اليمنية بين شطري اليمن، والكل هنأ وبارك قيام الوحدة من المحيط إلى الخليج ومن الشرق إلى الغرب، حيث أن وحدة اليمن كانت تعتبر من أنجح التجارب الوحدوية في العالم وبكل المقاييس وعلى كافة المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، حتى أن الكثير من السياسيين والمفكرين العرب والأجانب قالوا أنها معجزة القرن العشرين وأنها الحالة الاستثنائية الوحيدة في زمن الشتات والتمزق العربي, كما أن التحولات التي صنعت ما سمي بالنظام العالمي الجديد وانهيار نظام القطبية الثنائية الذي جاء على الأمة العربية والإسلامية بالدمار، كان الشعب اليمني هو الوحيد الذي استطاع الاستفادة من هذا الانهيار والتقاط اللحظة التاريخية لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية، بعد أن جرى تمزيق اليمن وإخضاع شطريه للاستقطابات الدولية في زمن الحرب الباردة, ولكن وبعد مرور 23عاماً من قيام الوحدة التي صفق لها الجميع أصبحنا نسمع نغمات جديدة هي عبارة عن أمراض سياسية واجتماعية وثقافية خارجة من رحم الأحزاب المؤدلجة التي لاتزال تعيش رهينة الأفكار الخاطئة ورهينة للصراع القديم رغم اللقاء والتحالف الظاهر الذي كان في الحقيقة ضد الدولة وضد شخص الرئيس السابق ولم يكن يوماً من الأيام في مصلحة الوطن والشعب، والسؤال هل كانت الوحدة اليمنية وهماً أم حقيقة؟ والجواب أن الوحدة اليمنية حقيقة تاريخية أرضاً وإنساناً منذ الأزل ولم يكن التشرذم والتفرق والانقسام في بعض الفترات التاريخية إلاّ بسبب عوامل أبرزها ضعف الدولة المركزية والصراع الداخلي والتدخلات الخارجية وعندما تم إعادة تحقيق الوحدة اليمانية في عام 1990م بين الشطرين لم يعمل السياسيون على غرس وتجذير مفاهيم الوحدة بين أبناء الوطن الواحد بل على عكس ذلك فقد عمل هؤلاء السياسيون على إضعاف الوحدة من خلال سن القوانين المشرعة لقيام وتأسيس الأحزاب والمنظمات التي لم يحصد الوطن والمواطن من ورائها إلا الشر والبلاء والتي تطورت فيما بعد إلى أشكال متعددة من أنواع الصراع السياسي والايدلوجي والاجتماعي.. الخ وصولاً إلى قيام الحرب الأهلية عام 1994م التي مثلت صورة من صور إضعاف الوحدة النفسية بين المواطنين في الشمال والجنوب حتى صارت الوحدة جغرافية لا أقل ولا أكثر و أقرب إلى الوهم من الحقيقة، وهذا شيء طبيعي ونتيجة حتمية في ظل الشحن والتعبئة الخاطئة والتحريض المستمر ونشر ثقافة الحقد والكراهية بين أبناء الوطن وما نشاهده اليوم من حراك سياسي في المحافظات الجنوبية إلى جانب الانفلات الأمني ومشاريع تقسيم اليمن الواحد إلى أقاليم متعددة، كل هذا لا يبشر بخير اليوم وغداً وبعد غد وحتى قيام الساعة وكونها تأتي في إطار مؤامرة غربية تنفذ بأدوات يمنية، والأغبياء هم فقط من يصفقون لتلك المشاريع التي تسعى إلى تفكيك البلاد بطريقة ناعمة أو على طريقة دس السم في العسل وسوف يدرك الجميع أن المسألة ليست مسألة ديمقراطية أو حرية أو تغيير نحو الأفضل، ولكن المسألة شرق أوسط جديد وسايس بيكو جديدة وفوضى خلاقة على أساس الدين والعرق وليس الحاصل في صعدة وعمران والجوف وحجة من حروب عنا ببعيد وحتى القضية الجنوبية تعتبر جزءاً لا يتجزأ من المؤامرة الكبرى ضد العرب والمسلمين. [email protected]