اليمن يرحب باعتماد الجمعية العامة قرارا يدعم عضوية فلسطين بالأمم المتحدة مميز    موقف فاضح ل"محمد علي الحوثي" والبرلماني أحمد سيف حاشد يكشف ما حدث    القيادة المركزية الأمريكية تناقش مع السعودية هجمات الحوثيين على الملاحة الدولية مميز    قل المهرة والفراغ يدفع السفراء الغربيون للقاءات مع اليمنيين    في لعبة كرة اليد نصر الحمراء بطل اندية الدرجة الثالثة    أمين عام الإصلاح يعزي رئيس مؤسسة الصحوة للصحافة في وفاة والده    مثقفون يطالبون سلطتي صنعاء وعدن بتحمل مسؤوليتها تجاه الشاعر الجند    مبابي يعلن رسميا رحيله عن باريس سان جيرمان    تأملات مدهشة ولفتات عجيبة من قصص سورة الكهف (1)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    الريال اليمني يصل إلى أدنى مستوى له أمام العملات الأجنبية (أسعار الصرف)    مقتل وإصابة 5 حوثيين في كمين محكم شمال شرقي اليمن    وفاة طفلين إثر سقوطهما في حفرة للصرف الصحي بمارب (أسماء)    تفاعل وحضور جماهيري في أول بطولة ل "المقاتلين المحترفين" بالرياض    الحوثيون يطيحون بعدد من كوادر جامعة الضالع بعد مطالبتهم بصرف المرتبات    الحوثيون يفتحون طريق البيضاء - مأرب للتنصل عن فتح طريق مأرب - صنعاء    ضربة موجعة وقاتلة يوجهها أمير الكويت لتنظيم الإخوان في بلاده    لحوم العلماء ودماء المسلمين.. قراءة في وداع عالم دين وشيخ إسلام سياسي    سياسي جنوبي: أنهم ضد الاستقلال وليس ضد الانتقالي    الشرعية على رف الخيبة مقارنة بنشاط الحوثي    د. صدام: المجلس الانتقالي ساهم في تعزيز مكانة الجنوب على الساحة الدولية    قوات دفاع شبوة تضبط مُرّوج لمادة الشبو المخدر في إحدى النقاط مدخل مدينة عتق    "حرمة الموتى خط أحمر: أهالي المخا يقفون بوجه محاولة سطو على مقبرة القديمي"    أبرز المواد الدستورية التي أعلن أمير ⁧‫الكويت‬⁩ تعطيل العمل بها مع حل مجلس الأمة    تعرف على نقاط القوة لدى مليشيا الحوثي أمام الشرعية ولمن تميل الكفة الآن؟    الحوثيون يتحركون بخطى ثابتة نحو حرب جديدة: تحشيد وتجنيد وتحصينات مكثفة تكشف نواياهم الخبيث    أنشيلوتي: فينيسيوس قريب من الكرة الذهبية    صباح (غداً ) السبت اختتام دورة المدربين وافتتاح البطولة بعد الظهر بالصالة الرياضية    الليغا .. سقوط جيرونا في فخ التعادل امام الافيس    هل الموت في شهر ذي القعدة من حسن الخاتمة؟.. أسراره وفضله    25 ألف ريال ثمن حياة: مأساة المنصورة في عدن تهز المجتمع!    البدر يلتقي الأمير فيصل بن الحسين وشقيق سلطان بروناي    وثيقة" مجلس القضاء الاعلى يرفع الحصانة عن القاضي قطران بعد 40 يوما من اعتقاله.. فإلى ماذا استند معتقليه..؟    اكلة يمنية تحقق ربح 18 ألف ريال سعودي في اليوم الواحد    السلطات المحلية بالحديدة تطالب بتشكيل بعثة أممية للإطلاع على انتهاكات الحوثيين مميز    الذهب يتجه لتحقيق أفضل أداء أسبوعي منذ 5 أبريل    في رثاء الشيخ عبدالمجيد بن عزيز الزنداني    وفاة وإصابة أكثر من 70 مواطنا جراء الحوادث خلال الأسبوع الأول من مايو    بسمة ربانية تغادرنا    جماعة الحوثي تعلن ايقاف التعامل مع ثاني شركة للصرافة بصنعاء    بسبب والده.. محمد عادل إمام يوجه رسالة للسعودية    عندما يغدر الملوك    قارورة البيرة اولاً    رئيس انتقالي شبوة: المحطة الشمسية الإماراتية بشبوة مشروع استراتيجي سيرى النور قريبا    الدوري الاوروبي ... نهائي مرتقب بين ليفركوزن وأتالانتا    ولد عام 1949    بلد لا تشير إليه البواصل مميز    هموم ومعاناة وحرب خدمات واستهداف ممنهج .. #عدن جرح #الجنوب النازف !    باذيب يتفقد سير العمل بالمؤسسة العامة للاتصالات ومشروع عدن نت مميز    دواء السرطان في عدن... العلاج الفاخر للأغنياء والموت المحتم للفقراء ومجاناً في عدن    لعنة الديزل.. تطارد المحطة القطرية    تضرر أكثر من 32 ألف شخص جراء الصراع والكوارث المناخية منذ بداية العام الجاري في اليمن    الرئيس الزُبيدي يطّلع على سير العمل بوزارة الخارجية وشؤون المغتربين    الدين العالمي يسجل مستوى تاريخيا عند 315 تريليون دولار    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    وزير المياه والبيئة يبحث مع اليونيسف دعم مشاريع المياه والصرف الصحي مميز    شاهد: قهوة البصل تجتاح مواقع التواصل.. والكشف عن طريقة تحضيرها    في ظل موجة جديدة تضرب المحافظة.. وفاة وإصابة أكثر من 27 شخصا بالكوليرا في إب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية المجلس الوطني لقوى الثورة السلمية لجذور «القضية الجنوبية»
نشر في الجمهورية يوم 06 - 05 - 2013

(1) بداية، ودونما إسهاب في سرد عاطفي لقيمة ومكانة الوحدة اليمنية في نفوس أبناء الشعب اليمني، وبحسب مقتضيات المنطق، فإن المقدمات الخاطئة تقود إلى نتائج خاطئة، ونحن نرى أن إعلان الوحدة اليمنية وقيام (الجمهورية اليمنية) في 22مايو 1990م، إنما تم على أنقاض الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وعندما نقول(أنقاض) فإننا نعني ما نقصده تحديداً ذلك أن الجمهورية الوليدة جاء وهي مثخنة بموروث قاتم ومؤلم من المآسي والمظالم، ومقلة بإخفاقات متوالية لمسار تاريخ اليمنيين في بناء الدولة الحلم، في شمال الوطن وجنوبه على حد سواء، في (الجمهورية العربية اليمنية) والجمهورية اليمنية الديمقراطية الشعبية.
(2) ثانياً: لسنا بحاجة إلى استعراض تاريخ اليمن القديم والحديث، للبحث في القضية الجنوبية؛ لأننا نرى أننا محكومون بمعالجة القضية في إطار التفويض الممنوح لمؤتمر الحوار الوطني، كما جاء في الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية وقراري مجلس الأمن 2012 (2011) و2051 (2012).
(3) أخيراً: إننا نؤمن بأن القضية الجنوبية بكل أسبابها ومظاهرها وأعراضها والتي سيتم تناولها لدى استعراض (محتوى القضية الجنوبية)، وأن الحراك الجنوبي السلمي منذ بداياته الأولى في العام 2007 كانا المقدمة الأولى لثورة الشباب السلمية التي اندلعت في فبراير 2011م، وأن هذه القضية الجنوبية ستشكل المحور الأساسي لكل تفرعات بناء الدولة اليمنية المدنية العادلة، وفق الدستور المرتقب أن يؤسس لليمن الجديد، ويضع اليمن واليمنيين - لأول مرة في التاريخ - على المسار الصحيح لبناء الوطن الذي قدم شهداء الحراك السلمي وشهداء ثورة الشباب السلمية أرواحهم ودماءهم من أجل ضمان المستقبل الآمن للأجيال القادمة.
مقدمات الوحدة ضرورة لازمة لفهم جذور
(القضية الجنوبية)
(4) في 30 نوفمبر 1989م وقع رئيس الشطر الشمالي علي عبدالله صالح مع علي سالم البيض – رئيس الشطر الجنوبي (اتفاق لقاء قمة عدن) لتحقيق (الوحدة اليمنية أرضاً وإنساناً ووصولاً إلى تحقيق كامل استقرار وأمن وتطور ونماء الوطن اليمني) من أجل (وضع اللمسات الأخيرة لإعلان قيام دولة الوحدة، وبناء على الاتفاقيات والبيانات الموقع عليها من قيادتي ومسئولي الشطرين، واستمراراً في تهيئة المناخ السلمي والديمقراطي اللازمين لإنجاز الخطوات الوحدوية وصولاً لدولة الوحدة، وتم حسب ما جاء في الاتفاق (المصادقة وإقرار مشروع الدستور الدائم لدولة الوحدة الذي أنجزته اللجنة الدستورية المشتركة بتاريخ 30 /12/ 1981م تنفيذاً لما ورد في ثانياً من اتفاقية الكويت، وعلى أن تستكمل الإجراءات المتفق عليها في الاتفاقيات السابقة، وعلى وجه الخصوص المواد التاسعة والعاشرة، والحادية عشرة، والثانية عشرة، والثالثة عشرة من اتفاقية القاهرة).
(5) إن اتفاق 30 نوفمبر 1989م إنما كان تتويجاً لاتفاقات (وحدوية) سابقة، لم تكن في الأساس إلا نتائج لذلك الموروث القاتم والإخفاقات المتوالية لكل من شارك في حكم وإدارة النظامين الشطريين السابقين والسيطرة على الشعب اليمني ومقدراته، في الجمهورية العربية اليمنية منذ26سبتمبر 1962م وجمهورية اليمن الجنوبية الشعبية ثم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية منذ 30 نوفمبر1967م، والمورث القاتم والإخفاقات المتوالية السابقة على الثورة في الشمال قبل 26سبتمبر 1962م والثورة في الجنوب في 14أكتوبر 1963م لكل أطراف الحركة السياسية اليمنية دون استثناء.
(6) وسبق اتفاق 30نوفمبر1963م ذلك اتفاقية القاهرة، وبيان طرابلس، ولقاء الجزائر، ولقاء تعز - الحديدة ولقاء قعطبة، وقرار الجلسة الطارئة لمجلس الجامعة العربية في الكويت ثم بيان قمة الكويت، وبيان لقاء صنعاء، واتفاق عدن واتفاق صنعاء، واتفاق تعز، واتفاق عدن، واتفاق تعز، ثم قمة تعز، واتفاق تسهيل تنقل المواطنين بين الشطرين.
(7) لقد لعبت الحرب الباردة في ستينيات القرن الماضي دورها في تسليم الشطر الجنوبي من الوطن للجبهة القومية التي كان لها الدور الأكبر في حركة النضال والتحرر الوطني، وتسلمت الجبهة حكم الجنوب، بعد أن تخلصت من كل خصومها السياسيين (جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل) و(التنظيم الشعبي الثوري) بفضل اصطفاف الجيش الاتحادي والشرطة المسلحة إلى جانبها.
(8) وفي المحصلة النهائية فإن بريطانيا خرجت من جنوب اليمن وتم إعلان قيام (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية) بطريقة تخالف مبدأ حق تقرير المصير، واختارت التفاوض على إعلان الكيان الجديد في جنيف مع الجبهة القومية ممثلين عن الجيش الاتحادي الذي اختار الانحياز للجبهة ضد جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل في حربهما الأهلية، وممثل عن جيش البادية الحضرمي، بعد إقصاء سلاطين ومشائخ اتحاد الجنوب العربي، وسلاطين القعيطي والكثيري والمهري، ولم يكن إقليم الكيان الجديد معروفاً إلى ما قبل أشهر معدودة الاستقلال، حيث لم تكن تلك المحميات (محميات عدن الشرقية) جزءاً من اتحاد الجنوب العربي أو محميات عدن الغربية ومستعمرة عدن، فضلاً عن اسم الكيان الجديد (جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية) لم يكن قد تقرر قبل 29 نوفمبر1967م.
(9) وبدأت مسلسلات الإقصاء والتهميش والمطاردة والإقصاء، ودخل جنوب الوطن دورات العنف منذ الأشهر الأولى للاستقلال، انتهاءً بأحداث 13يناير 1986م السيئة الصيت التي ذهب ضحيتها مازاد عن عشرة آلاف مواطن، وخروج الرئيس علي ناصر محمد وجماعات، وسيطرة علي سالم البيض وحيدر العطاس وأنصارهم.
(10) وكانت الحرب الباردة قد لعبت نفس الدور في نجاح تنظيم الضباط الأحرار في الشمال في ثورة 26سبتمبر 1962م، بدعم من مصر عبدالناصر، وهي الثورة التي دخلت في حرب أهلية مع الملكيين، وكان الوجود المصري مهماً لإسنادها، وبعد خروجهم في 30نوفمبر1967م بالتزامن مع خروج آخر جندي بريطاني، وقد ذهب آلاف اليمنيين في الشمال ضحايا لتلك الحرب من الملكيين والجمهوريين، وتمت المصالحة بين الجانبين.
(11) وباستقرار النظام الجمهوري، بدأت القيادات العسكرية بالصراع من داخلها للهيمنة على السلطة، ودخل الشمال دورات عنف متواصلة بدأت بأحداث أغسطس 1968م وانتهاءً باغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي والرئيس أحمد الغشمي وتولي علي عبدالله صالح سدة الرئاسة حتى قيام الجمهورية اليمنية، جرى خلال الصراعات هيمنة شمال الشمال على الجيش ومفاصل الحكم.
(12) ومن مفارقات القدر أن نهاية الحرب الباردة كان لها دور جوهري في دفع النظامين في شطري الوطن الهروب إلى نحو الوحدة، حيث أعلن في نفس الشهر الذي سقط فيها سور برلين العتيد، الذي مثل سقوط الأنظمة الاشتراكية في أوروبا وفي مقدمتها الاتحاد السوفيتي السابق وانهيار حلف وارسو، أعلن رئيسا الشطرين من عدن أن الدستور الذي أنجز عام 1981م سينزل للاستفتاء عليه في نوفمبر 1990م.
(13) وفي 22مايو1990م تم إعلان قيام الجمهورية اليمنية بدلاً من 26مايو حسب اتفاق 22أبريل 1990م بعد أن تمت مصادقة برلماني الشطرين السابقين على تلك الاتفاقية في 21مايو 1990م وعلى مشروع دستور البلاد بموجب ما تتطلبه المادة 8 من اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية وتنظيم الفقرة الانتقالية المذكورة أعلاه رغم مخالفة ذلك لاتفاق القاهرة وكل الترتيبات المتفق عليها في الاتفاقات كلها بما في ذلك اتفاق 30نوفمبر1989م وقد اعترف المجتمع الدولي بالكيان الجديد للجمهورية اليمنية دون استثناء.
(14) وهكذا قامت الجمهورية اليمنية في ظل حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح الذي تولى الحكم في 1978م بعد الإطاحة بأول وثاني رئيسين واغتيال ثالث ورابع رئيسين في الشمالي في غضون 16عاماً، وفي ظل رئاسة علي سالم البيض الذي تولى الحكم في 1986م بعد الإطاحة بأول رئيس في الجنوب وسجنه حتى وفاته واغتيال ثاني وثالث رئيسين وهروب رابع رئيس، في غضون19عاماً.
البحث عن الجذور
(15) إن البحث عن جذور القضية الجنوبية، التي وصلت تجلياتها في الحراك السلمي الجنوبي، في العام 2007م يقتضي تقييم تجربة الحكم في شطري الوطن، ووضع النظامين قبل 30نوفمبر 1989م وارتجال قيادتي الشطرين، كلها دون استثناء، في إعلان الوحدة اليمنية وإعلان قيام الجمهورية اليمنية في 22مايو1990م.
(16) إن أسس وجذور القضية الجنوبية تكمن في افتقاد النظامين الشطريين السابقين لحلول سياسية واقتصادية واجتماعية للإخفاقات البنيوية والنظامين الأسبقين السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها، ذلك أنه على الرغم مما يبدو من تباين في المكونات الفكرية والنظرية للنظامين الشطريين السابقين، فإن السمة المشتركة التي اتصفا بها هي أنهما نظامان شموليان ديكتاتوريان، فشلا في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومارسا انتهاكات حقوق الإنسان وقمع للحريات الأساسية للمواطن وإهدار للموارد والإمكانيات المتواضعة التي توفرت وحرمان في الجنوب للجميع والدولة هي المشغل الأول لكل القوة العاملة في كل القطاعات، وفي الشمال كانت الدولة أيضاً هي المشغل للقوة العاملة، ومارست فساداً وإفساداً وفقراً وإفقاراً واستئثاراً بكل الموارد، وتوزيعاً عصبوياً للمال والمناصب العسكرية والمدنية وتركيزها وإقصاء لأبناء البلاد من المناطق الأخرى، ونهباً لأراضي وعقارات الدولة والأوقاف!!
(17) إن أكبر الأخطاء التي يمكن أن نقع فيها جميعاً هي أن نعزي القضية الجنوبية إلى الوحدة، ذلك أن ما نعيشه هو نتائج موروثات الماضي الذي سبق 22مايو 1990م والتي سحبت نفسها على الفترة الانتقالية برمتها التي تلتها، وقادت إلى حرب1994م وما تلاها من تطورات سياسية، نقضت في مجملها الأسس التي قامت عليها الجمهورية اليمنية من خلال تعديلات دستورية أجراها الرئيس السابق علي عبدالله صالح مكنته من المزيد من إحكام قبضته على مقدرات البلاد، وأعادت البلاد إلى نمط وأسلوب الحكم في (الجمهورية العربية اليمنية) ولا يجوز لأي عاقل أن يصوره على أنه صراع بين الشماليين والجنوبيين؛ لأن أبناء الشعب من أي مكان جاءوا هم ضحايا لسياسات وممارسات الأنظمة والأحكام التي فرضتها ظروف التاريخ القاسي والمرير على هذا الشعب.
الجوانب السياسية للوحدة
(18) إن إنجاز الوحدة اليمنية في 22مايو1990م جاء تلبية لطموحات الشعب اليمني في إعادة تحقيق وحدة الأرض والإنسان اليمني ونتيجة لنضالات الرعيل الأول من الآباء والأجداد، ولا يحق لأي كان الادعاء بامتلاك صنع ذلك الحدث التاريخي مهما عظم الدور الذي قام به؛ لأن ذلك الدور ليس إلا عطاء اللحظة التاريخية التي تصادف فيها وجود هذا الفرد، إن التاريخ ملك اليمنيين ومن صنعهم.
(19) وكان أن اتفق النظامان على العمل على دمج كل مكونات السلطتين السابقتين في جهاز الدولة الجديدة في ظل أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية مغايرة، وتم ترتيب الفترة الانتقالية بما يخدم استمرار حكم الحكام السابقين ورمزهما وبما يحسن مصالحهما، وتعاطي الجديد مع الأوضاع الجديدة المتمثلة في الديمقراطية والتعددية السياسية والفكرية والتحولات الاقتصادية وبناء الدولة الحديثة وتفعيل المشاركة الشعبية والكثير من مدخلات المجتمع الليبرالي، تعاط خاطئ بموجب مشروع دستور تمت صياغته في ظروف توفيقية في حدودها الدنيا عام 1981 كجزء من صراع النظامين السابقين.
20 – إن تحقيق الوحدة لم يكن ليحدث لولا مباركة دولية جاءت نتيجة طبيعية للتحولات التي طرأت على الساحة الدولية جراء انتهاء الحرب الباردة وتزامنت تلك التحولات الديمقراطية والليبرالية في الكثير من مناطق العالم، أي التحول إلى الديمقراطية الدستورية والانتقال إلى اقتصاد السوق بكل أبعاد العمليتين وهي التحولات التي ترتكز على حقوق الإنسان في كافة أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وجاءت الوحدة والنظامان مشارفان على الانهيار الاقتصادي كلية، وتؤكد ذلك كافة التقارير الدولية حول الوضع الاقتصادي في الشطرين.
21 - وكان في نظرنا أول تعثر أن دستور دولة الوحدة دستور يخدم مجمله نظاماً شمولياً ذي اقتصاد موجه، ولم يستوعب التحولات الديمقراطية وأبعادها ومعانيها ومقتضياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية لسبب جوهري هو أنه لم تكن في صلب اهتمام واضعي مشروع الدستور؛ لأنهم كانوا يتصورون أن دولة الوحدة سيحكمها تنظيم سياسي موحد بموجب ما جاء في اتفاقيات الوحدة (القاهرة وطرابلس والكويت وغيرها) أي أن ما كان في الأذهان هو أن الدولة الموحدة ستكون ذات نظام شمولي يحكمها حزب واحد!!
22 - فقد اتفق النظامان على دمج كل مكونات الطاقة البشرية العاملة في أجهزة النظامين السابقين في جهاز الدولة الجديدة مناصفة، وتم ترتيب الفترة الانتقالية بما يخدم استمرار حكم الحكام السابقين ورموزهما، وبما يحسن مصالحهما، وتعاطي الوضع الجديد مع مستلزمات التحول إلى الوضع الجديد المتمثلة في الديمقراطية والتعددية والتنوع السياسي والفكر والتحولات الاقتصادية وبناء الدولة الحديثة وتفعيل المشاركة الشعبية والكثير من مستلزمات التحول نحو يمن جديد.
23 - ودخل الحزبان الحاكمان المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني الفترة الانتقالية وتمديدها وأمامهما همان رئيسيان الأول ترتيب أوضاعهما بتقاسم للسلطة فيما بينهما وبين من يرتبط بهما من أحزاب وتيارات وعلى الخصوص التجمع اليمني للإصلاح والثاني الترتيب للبقاء في السلطة في الفترة التي ستعقب الانتخابات البرلمانية الحرية، ولم يكترث الحزب الاشتراكي اليمني بقانون الانتخابات المتفق عليه، متجاهلاً أن مخرجاته سوف لن تؤمن له استمرار المناصفة التي دخل بموجبها إلى الوحدة؛ ركوناً منه أنه سيتمكن من الإطاحة بالطرف الآخر باعتبار أن الاشتراكي يحمل مشروعاً حضارياً!! وكان ذلك التعثر الثاني.
24 - والتعثر الثالث أن النظامين لم يكترثا قبل الولوج في الوحدة بوضع تصورات بشأن الحلول التي تستوجبها متغيرات الوحدة من حيث وضع خطط لمعالجة وضع الجيش الذي لم يدمج من الأساس، بمعنى الكلفة المالية لإعادة هيكلة الجيش والأمن وكلفة وكيفية برمجة التخلص من العمالة والتوظيف المبالغ فيه، وكل ما يرتبط بالتحول نحو اقتصاد السوق من إطلاق امكانيات القطاع الخاص في أداء دوره الطبيعي في تحفيز الاقتصاد لاستيعاب آثار الإصلاحات الإدارية والمالية والاقتصادية من جهة ودراسة توقعات آثار الكلفة المالية المرتفعة لدمج جهاز الدولتين على الأسعار ونسب التضخم وسعر الصرف وغيرها.
25 - وبضغط من المؤسسات المالية الدولية والمانحين وضعت الحكومة الجديدة التي خلت من أي تركيب تكنوقراطي، وغلب عليها الطابع الحزبي برنامجاً للإصلاح السياسي والاقتصادي والمالي والإداري في اليمن لحل المشاكل الموروثة من الماضي السابق الإشارة إليها.
26 - وبالرغم من ذلك تم تأجيل اتخاذ أية إجراءات حقيقية نحو تحويل الاقتصاد إلى اقتصاد السوق في الفترة الانتقالية لكي لا تتفاقم أوضاع المواطنين سواء لاسيما في المحافظات الجنوبية وكي لا يخسر الحزبان في الانتخابات ولم تكن معاناة المواطنين طوال الفترة الانتقالية إلا نتيجة حتمية وطبيعية لسوء إدارة الحكومة للسياسات الاقتصادية والنقدية في ظل الإجراءات البسيطة التي قامت بها الحكومة في التوجه نحو اقتصاد السوق وساعد على تفاقم تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطن ممارسات الحكومة في الإنفاق الترفي المبالغ فيه خلال عملية دمج جهاز الدولتين وموظفيهما السابقين في جهاز واحد.
الظروف الاقتصادية:
27 – سبقت الإشارة إلى أنه على الرغم من (اشتراكية) النظام السابق في الجنوب و(ليبرالية) النظام السابق في الشمال إلا أن القاسم المشترك فيما بينهما هما أنهما نهجا اقتصاديات موجهة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في كل شطر مع بعض الحرية الاقتصادية النسبية في الشمال مقارنة بوضع الاقتصاد الشمولي في الجنوب، واعتمدت اقتصاديات الشطرين بشكل أساسي على تحويلات المغتربين التي ساعدت كثيراً في تحقيق فائض من الاحتياطات النقد الأجنبي لدى النظامين لاسيما في أثناء الطفرة في أسعار النفط العالمية المرة الأولى عام 1973م والثانية عام 1978م وعلى المعونات الخارجية الثنائية ومن الصناديق الإنمائية الإقليمية والدولية، وقد استنفدت كافة الفوائض من قبل نظامي الشطرين في توفير مستلزماتهما الأمنية والدفاعية بشكل أساسي، وقد أدى ذلك دخول شطري البلاد في ديون خارجية.
28 – ونظراً لانحسار العون الأجنبي بشكل ملحوظ منذ حرب الخليج اضطرت الحكومة إلى اللجوء إلى الاستدانة من الجهاز المصرفي المحلي وبالذات من البنك المركزي اليمني، إضافة إلى زيادة الإصدار النقدي لتلبية النفقات الجارية، وبالذات أجور الجهاز الحكومي المتضخم ونفقات دمج أجهزة الدولتين السابقتين.
29 - وأدت تلك العوامل إلى دخول البلاد في أزمة اقتصادية تمثلت في انخفاض معدلات النمو الاقتصادي وزيادة البطالة جراء عودة المغتربين اليمنيين نتيجة موقف اليمن من غزو الكويت وارتفاع الأسعار وتدهور قيمة العملة الوطنية نتيجة للعجز في الموازنة العامة والعجز في ميزان المدفوعات بسبب سيادة النمط الاستهلاكي لدى الدولة والمجتمع وضعف البنية الإنتاجية الوطنية.
30 – وعلى الرغم من كل ذلك حظيت البدايات الأولى للتجربة الديمقراطية في اليمن بتأييد ودعم دوليين ساعدا اليمن كثيراً في إنجاز أول انتخابات تقوم على التعددية الحزبية في اليمن، وتمت تلك الانتخابات في 27 ابريل 1993م وحازت الأحزاب الثلاثة المؤتمر والإصلاح والاشتراكي على ما يزيد على ثلثي مقاعد مجلس النواب الجديد، غير أنه جاءت التركيبة السياسية في البرلمان والحكومة على نحو لم يرق للحزب الاشتراكي اليمني، وأدرك أن استمراره في المشاركة في حكم اليمن الواحد على النحو الذي سارت عليه الأمور قبل الانتخابات لابد وأن يضر به كلاعب أساسي في اللعبة السياسية اليمنية لاسيما في ظل استمرار الفساد والعبث بالمال العام والذي ساد في الفترة الانتقالية وشعوره بالبدء بفقدان مركز نفوذه السياسي في جنوب اليمن في حال استمرار الأمر، فما كان منه إلا أن قرر أن يستفيد من موجة غضب الشعب من تفاقم سوء أوضاعه المعيشية والحياتية وتفشي الفساد في كل نواحي الحياة وتقدم بنقاط الإصلاح الثمانية عشرة لإصلاح الاختلالات التي شابت مسيرة الوحدة في ظل أزمة سياسية حادة.
31 - وتحولت تلك النقاط لتكون وثيقة العهد والاتفاق التي وقع عليها حوار أطراف القوى السياسية في عمان في 18 /1/ 1994م، والتي لو تم تنفيذها لما وصلت أوضاع البلاد إلى ما نحن بصدد إصلاحه في الحوار الوطني الذي نعيشه؛ لأنها كانت تهدف إلى تفادي تكرار ما حدث حماية للوحدة وتوسيعاً للمشاركة الشعبية في صنع القرار وإنجازه وتأسيساً لديمقراطية حقة تبدأ من القرية إلى قمة الدولة بغية وضع اللبنات المتينة لدولة يمنية قوية وعالجت الوثيقة جملة كبيرة من القضايا التي نعالجها اليوم.
32 - وللأسف كل الأطراف التي وقعت على تلك الوثيقة تنصلت منها واتجهت البلاد نحو حرب طاحنة.
بين الجيش الذي كان لايزال جيشين شطريين، وخلال تلك الحرب أعلن الأمين العام للحزب الاشتراكي علي سالم البيض وبعض القوى السياسية الانفصال واستعادة الدولة السابقة، غير أن المجتمع الدولي لم يعترف بذلك وأصدر مجلس الأمن الدولي قرارين بشأن اليمن، وانتهت الحرب على النحو الذي نعرفه جميعاً.
33 - وعلى الرغم من فشل الانفصال إلا أن أسلوب تعاطي المنتصرين مع أسباب الحرب وآثارها كان تعاطياً غير مسئول على الإطلاق، وتمت ممارسات تتناقض مع مدخلات وأسس قيام الوحدة وتنصل كامل من (وثيقة العهد والاتفاق)، والحلول التي تضمنتها لإعادة تصحيح مسار الوحدة وبناء الدولة المدنية على أسس قيام ديمقراطية وسياسية واقتصادية سليمة.
34 - وأمعن الرئيس السابق علي عبدالله صالح في حكم البلاد بشكل ديكتاتوري من خلال تعديلات دستورية للانفراد بالحكم وتركيز السلطة في كل مفاصل الدولة في أسرته وقبيلته وأعوانه من الموالين، ومن خلال الإمعان أيضاً في التحلل من كل أسس الوحدة والتعامل مع أبناء المحافظات الجنوبية وفق عمليات ممنهجة في الإقصاء والإبعاد من الجيش والأمن والإدارة وكل مكونات الحكم والتعامل مع المحافظات الجنوبية بالنهب الممنهج وأخذ أشكالاً متعددة من توزيع لأراضي الدولة ومنح الامتيازات النفطية ولسنا بحاجة إلى تكرار استعراض تلك الممارسات التي تطرقت لها العديد من الرؤى.
35 – لقد كان المجتمع الدولي متنبهاً لكل تلك الممارسات، وقدم العديد من التوصيات والنصائح للرئيس السابق للإصلاح السياسي لمعالجة أوضاع البلاد الاقتصادية والاجتماعية وفي المقدمة المطالب الحقوقية المشروعة للمسرحين من أبناء المحافظات الجنوبية من كل أجهزة الدولة والتعامل الجدي مع المطالب التي رفعها الحراك الجنوبي السلمي؛ باعتبارها قضايا تستوجب المعالجة السياسية والاقتصادية والحقيقية اعتماداً على إصلاح سياسي فعلي.
36 - بدأت تلك النصائح تتوالي منذ عام 2004م عبر عدد من مراكز البحث الغربية والأمم المتحدة والمؤسسات الدولية المانحة والمنظمات الحقوقية الدولية المتعددة، وفي العام 2006 عبر مؤتمر المانحين الذي قيد المعونات والمنح بالتخلي عن أسلوب الحكم والإدارة القائمة والشروع في إصلاحات سياسية في الأساس لاحتواء كل السلبيات ومعالجة القضية الجنوبية إلى جانب الصراع في صعدة، ونصح المجتمع الدولي الرئيس السابق علي عبدالله صالح ونظامه باعتماد الحوار مع كل الطراف أساساً للإصلاحات المطلوبة كلها واستمرت تلك المطالبات في مؤتمرات المانحين في 2007 – 2008 - 2009 – 2010م.
جذور القضية الجنوبية في الأساس يمكن أن يتم إيجازها في الآتي:
1 – لعب الموروث السياسي للحزبين الحاكمين في الشطرين، والذي كان مثخناً بالممارسات الشمولية وسياسة الإقصاء للآخر والمتنكر لقيم الديمقراطية ومنظومة الحقوق والحريات دوراً كبيراً في الإخفاق في إدارة دولة الوحدة وترجمتها إلى مشروع وطني جامع يلبي طموحات كل اليمنيين.
2 – كان لدورات العنف السياسي التي شهدها الشطر الجنوبي منذ عام 1967م ومارافقها من صراعات مسلحة أدت إلى تشريد مئات الآلاف وتسريح الكثير من أبناء القوات المسلحة والأمن وتأميم الممتلكات الأراضي الزراعية وغيرها من الممارسات أثر كبير في إضعاف الشريك الجنوبي في دولة الوحدة؛ ففي ظل غياب أي جهود حقيقية لمصالحة جنوبيةجنوبية قبل الوحدة ظل الاستجرار لصراعات الماضي هو الحاضر في المشهد السياسي بعد الوحدة، وقد عملت هذه الحالة في تقويض مبدأ الشراكة ليس مع الحزب الاشتراكي فحسب ولكن مع أبناء الجنوب كافة.
3 – لقد كان لتداعيات حرب 94 أثرها البالغ؛ إذ ظن نظام صالح أنه تخلص من شريك دولة الوحدة الحزب الاشتراكي اليمني وأنه لم يعد هنالك من حاجة لخلق أي نوع من الشراكة في صناعة القرار مع أبناء الجنوب، وما لبثت أن عادت كواليس إدارة الحكم في الجمهورية العربية اليمنية بطابعها الفردي وشكلها العصبوي وعقليتها الاستحواذية الاستبدادية التي لم تعد ترى الجنوب إلا أرضاً تستباح وثروة تنهب وجيشاً ينبغي أن يقصى ويسرح ودستوراً ونصوصاً ينبغي الخلاص منها إلى غير رجعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.