ودّعت البشرية ليلة الأربعاء المنصرم عاماً آخر من عمر هذا الكون الغريب والعجيب في تكوينه وفي شتى مخلوقاته وأحداثه المثيرة والمتناقضة إلا أنني، وبما عاصرت وشاهدت طوال العقود المنصرمة في حياتي فإنني لا أذكر أو أتذكر ما شاهدت وعاصرت وعانيت.. ولم تكن ما شاهدنا من أحداث ومعاناة تقتصر على بلادنا والمحيط الإقليمي لبلادنا، وإنما كانت قد شملت معظم أقطار الوطن العربي.. ورغم كل هذه المعاناة والأحداث التي مرت علينا وعلى العديد من البلدان آنفة الذكر، لدى العديد من مراقبي العالم نذير شؤم ونحس، وإنما هناك من يرى فيها بوادر خير وانفراج لكل هذه البلدان وشعوبها للخلاص مما تعانيه من ويلات ومشكلات، ومحن. وإن ما يجري إنما هو عبارة عن إرهاصات ومخاضات لمستقبل باسم، زاهر، جديد. أما عن كاتب هذه السطور فلا يدري كيف ولا يعرف كيف يفسر ما جرى ويجري من أحداث، ففي صدره وعقله شك وارتياب من أن ما جرى ويجري إنما يقف وراءه «مخرج ومخرجون» ومؤلفون لكل ما حدث. وأن ثمة مخططاً واسع النطاق يستهدف إحداث تغييرات في خارطة الوطن العربي. كما هو شأنهم ومساعيهم وسيطرتهم على خارطة دول العالم «النائم» حتى يصحو هذا العالم مما هو غارق فيه من أوحال المذهبية والطائفية والصراعات والخلافات على أتفه القضايا والأمور التي تنم عن جهالة وبداوة وحنين لحروب «داحس والغبراء». وأما عن شكي وارتيابي وتشاؤمي فلأنه يعود إلى أن هذا العام الميلادي قد أبى أن يغادرني قبل أن يطرح جسمي مستسلماً للفراش ولأمراض الشتاء المتعددة التي كانت في هذا العام أكثر قساوة وضراوة من أي عام مضى. إذ لم يسبق لي وأن سمعت أو قال لي أحد من أن جبال وهضاب «عزلة» الصلو قد توّجتها ثلوج الشتاء.. وقد قال لنا الأوائل من الآباء والأجداد: إن كل علة »وأبوها البرد» وعلى كل حال فإن ثمة إجماعاً من أن عام 2013م وبوجه خاص على سورياواليمن قد كان عام بلاء وامتحان عسيرين، وإن كان لا وجه للمقارنة في هذه الأحداث بيننا وسوريا ، فنحن كنا قد فقدنا خلال العام المنصرم العشرات من الجنود والضباط، وفقدنا خلاله أيضاً ممن توفاهم الله بسبب العلل والأمراض المختلفة العديد من الشخصيات الوطنية والأدبية والفنية والتي تمثل خسارة فادحة لا تعوّض.. وعلى سبيل المثال لا الحصر فقدنا شاعر اليمن الكبير الاستاذ محمد الشرفي وفقدنا الشاعر محمد الفتيح وفقدنا الشاعر الوديع اسماعيل الوريث، والفنان الغنائي الكبير محمد مرشد ناجي، وفي حادث العرضي بصنعاء الإرهابي فقدنا القاضي عبدالجليل نعمان.. ومن الشخصيات الاجتماعية فقدنا أيضاً عضو مجلس الشورى الشيخ الوديع والودود: عبدالولي أحمد سيف الشرجبي.. الرحمة والغفران لهم جميعاً والله نسأل أن يسكنهم فسيح جناته.. والمعذرة لمن لم تسعفني الذاكرة بإيراد أسمائهم، والله أسأل أن يجعل هذا العام الجديد فاتحة خير وأمان وهدوء واستقرار لليمن قاطبة وأن يمنّ الله علينا بالحكمة والموعظة الحسنة، وإن يهدينا إلى سوء السبيل. واليوم ونحن على وشك اختتام مؤتمر الحوار الوطني أعماله، خاصة وأنه قد قطع أهم وأخطر خطواته فإننا نكون بذلك قد قدمنا أهم وأفضل تجربة في تاريخ الوطن العربي، تجربة تنطوي على صيغة نموذجية لمعنى العقد الاجتماعي الناظم للعلاقات السياسية والاجتماعية ولمعاني الحرية، والديمقراطية، وكافة الحقوق وأسقطنا وإلى الأبد بهذه الصيغة كل أشكال الظلم والقهر والاستبداد ، وقبرنا وإلى الأبد كافة طرق الاستغلال لبني الإنسان، ولا سيما وقد تضمنت معظم أدبيات ومخرجات هذا الحوار تحقيق العدالة الاجتماعية والمواطَنة المتساوية والتوزيع العادل للثروة.. إن العديد ممن هم وسط ضجيج واحتدام النقاشات في فرق المؤتمر المختلفة لا يشعرون أو يحسون بمقدار ما احتوته تلك الصيغ الواردة بمخرجات هذا الحوار القيّم والإنساني النبيل وإنما الذين يتابعون عن كثب أعمال هذا المؤتمر ونتائج مخرجاته يدركون مقدار سمو ونبل وبُعد تلك المخرجات الفريدة والهادفة التي استهدفت حق كرامة الإنسان على هذه الأرض وحقه في الحرية والعيش الكريم، وأزاحت عن كاهله وكاهل هذا الوطن تلك الأعباء الثقيلة وتلك القيود الغليظة التي طالما أدمت وجرحت هذا الشعب ووجدانه وإحساسه وكبرياء ، وإن تعاقب الطغاة والأجانب على هذا الوطن كان قد خلّف تركات هائلة من المظالم ونظرات الازدراء لحقوق هذا الشعب بل واستطاعت تلك الفترات المتعاقبة أن تترك اثاراً لدى الكثيرين من أبناء الشعب من ضعيفي النفوس، إلا أن الأغلبية العظمى من أبناء الشعب اليمني بقيت معاني الحرية تجري في دمائهم مجرى الدم.. فهنيئاً لهذا الشعب العظيم هذا الإنجاز العظيم، وتحية إجلال لكل من سعى وعمل لعقد هذا المؤتمر ولمن شارك وساهم بصياغة مخرجاته الأهم والجوهري في نصوصه.. وتحية إجلال وتقدير لأولئك الجنود المجهولين الذين انتقلوا إلى جوار ربهم وكانوا ممن سبق وبذر بذور هذا الإنجاز الوطني الكبير الذي سيخلّد مدى الدهر.. وإنا لمتفائلون في أن يُختتم هذا المؤتمر مع بداية عام جديد نأمل أن يكون عام أمل وأمن واستقرار..