كل لحظة في حياتنا مدرسة جديدة، ليتنا نتعلم منها، ولا نكرر أخطاءنا نفسها في اللحظة التي تليها، على الأقل من باب العظة والعبرة، إن لم يكن من باب إيماننا بقيمة اللحظة التي تهرب من أعمارنا دون عودة، ودون فائدة في الدنيا أو الآخرة، ونحن كشعب نتمتع دون غيرنا بهذا الإنجاز العظيم، أعني بإهدار أعمارنا سنة تلو الأخرى، فنحن نعاني من إحساسنا بمعنى خسارة أعوام لا مجرد لحظات، وهذه الخصوصية نجسدها نحن باحتراف لسبب واحد هو أننا شعب مخزّن، فكم من ملايين الساعات التي تهدر في القات، فكيف بالأشياء الأخرى، وعلى ذلك فقس. لكن هذا العام لم يمر كسابقه، وإن كانت هذه الأعوام التي تلت 2010م، أعواماً من الصعوبة في كل شيء بمكان، إلا أن هذا العام كانت فيه الآلام والأحزان في بلادنا محاصرة كل لحظة فيه، هذا على مستوى الوطن، لكن على المستوى الشخصي لكل فرد لا يمكنني قياس ذلك، فقد يكون هذا المنصرم في حياة شخص ما من أسعد أعوام حياته، حصل فيه على وظيفة ينتظرها من عقود، وصله إرث كان مستحيلاً بلوغه، فغيّر مجرى حياته، أو تزوج ممن أحب، أو رُزق بمولود ينتظره، أو تغير في حياته شيء كان من المستحيل تغييره، وهناك من كان هذا العام من أقسى الأعوام عليه، لا سيما إن كان له فقيد في أية مجزرة عشناها هذا العام، خاصة في مجمع وزارة اللا دفاع، فأي عام سيأتي له بمن فُقد، أو سيُنسيه من فقد، لكن في هذا المكان لا مكان لخصوصيات الأفراد، أعني لكل واحد قدره وما عاشه، لكن على وجه العموم، لقد كان الألم سيد هذا العام الذي قرر الرحيل، فحتى لو عاش أي فرد منا أية لحظة سعادة مهما بلغت ظروفها، فإحساسه بما يعيشه الوطن وتقطع أحد له ونهبه وقهره يكفيه ليشعر بوخز الألم يفتت قلبه وإحساسه بالسعادة والأمل، ويعود به إلى نفس الدائرة التي يعيشها كل مواطن، باستثناء أصحاب المعالي الذي مات الإحساس في وجدانهم أصلاً. والذين أعد لهم الشعب وأهداهم في هذا العام بداية ونهاية دعواته بالهلاك وعذاب الله، فقد أهدى كل واحد منهم لهذا الشعب قنبلة موقوتة داخل باقة ورد تعج بالورود الحمراء، ونسفوا داخل قلب كل مواطن في هذا الوطن إحساسه بالمواطنة، ولو على سبيل السخرية، وذلك ابتداءً بسميع الذي أطفأ الوطن لأنه مقتنع أن اليمن منورة بأهلها، وانتهاءً بوزير المالية الذي وقف أمام الفقراء والجياع من متعاقدي الجامعة من عقود، ليبشرهم باستحالة تثبيتهم، مع أنه جند ما يزيد عن 10آلاف جندي، والبقية من أصحاب المعالي لا يقلون عن ما أهدونا بشيء. لكن وبالرغم من كل هذا، وبالرغم من العجز لتلك الحكومة في هذا العام أكثر مما سبق، إلا أننا تعلمنا درساً مهماً جداً، درسنا إسمه الوطن يحتاجنا، الوطن أمانة في عروقنا وقلوبنا وأرواحنا، لا يمكن أن نأتمن عليه أحد إلا نحن، تعلمنا أننا الوطن، وإن الوطن بسوانا ليس وطناً، بل مجرد حاوية قمامة، يلقي فيها التاريخ هذه الأسماء المزيفة المتسخة بدماء الناس، ومن هنا وعلى الرغم من أني عشت عاماً صعباً ومؤلماً وحزيناً، إلا أنه علّمني دروساً عظيمة، جعلت منه قاعدة لخطتي السنوية القادمة، وسيبقى الوطن درسنا، وسنبقى نحن تلاميذه، وكل فاسد وحاقد وظالم وحقير، سنتعلم منه في كل عام أنه لا مكان له في وطننا.. وعام سعيد بطاعة الله وحب الوطن.