ما يزال المشهد التربوي متخلفاً ويشكو العديد من الأزمات والمشكلات الراهنة، إذ لم تتمكن الاستراتيجيات العامة من النهوض بالواقع التعليمي والتربوي في البلاد، ففي الوقت الذي نشكو فيه مخرجات التعليم العام «الأساسي الثانوي»، نذهب لنشكو مدخلات العملية التعليمية والتربوية برمتها، فواقعنا التعليمي والتربوي اليوم يعتمد على أساليب ووسائل تقليدية عتيقة أسهمت إلى حدٍ كبير في اضمحلال التحصيل العلمي، وتدني المستوى التربوي، حتى تعجز الدولة عن استيعاب خريجي الثانوية العامة «من الجنسين»، بينما تقف الحكومة مكتوفة الأيدي أمام الأعداد المهولة للمنقطعين والمتسربين عن المدرسة نشر ممارسة العقاب المدرسي بأشكاله وصوره المتعددة من قبل المعلمين والمعلمات في المدرسة. عقاب بداية اليوم الدراسي: يعد طابور الصباح حصة دراسية في العُرف واللوائح التربوية ذلك لأن له فوائد جمة منها، الفوائد البدنية التي تعود بالنفع لقاء مزاولة التمارين الرياضية بشكل منتظم، فضلاً عن كونه تهيئة مثلى لليوم الدراسي برمته، فهو يبعث النشاط في الجسم ويعزّز من الطاقة البدنية والعقلية ناهيك عن أن الطالب يُحصل على التثقيف الواعي من خلال الإذاعة المدرسية، فلذلك يتوجب على أولياء الأمور إيقاظ أبنائهم في وقت مبكر ودفعهم إلى الطابور المدرسي، إلا أن ثمة طلاباً يتأخرون عن الطابور المدرسي ويأتون في نهايته في فقرة «تحية العلم» ، فيمنع الطلاب المتأخرون من دخول الفصول، وهذا بحد ذاته عقاب، بيد أن القائمين في أغلب مدارس الجمهورية يقومون بمعاقبة أولئك الطلاب ويوكلون إلى البعض تنظيف ساحة المدرسة، بينما يوكلون إلى البعض الآخر تنظيف خلفية المدرسة، ويأمرون آخرين بتنظيف الحمامات، وهكذا حصة أو حصتان ثم يعاقبونهم بالضرب بالعصا ويأمرونهم بالدخول إلى الفصول وهذا هو عقاب بداية اليوم الدراسي. الأبعاد السلبية للعقاب: وفي أحسن الظروف لا يمكن أن يسلم طالب من العقاب البدني أو المعنوي، فالمعلم يستخدم العصا، وإذا لم يتمكن من الحصول على «عصا» يستخدم«اللي» لضرب الطلاب وضرب مبرح قد يسبب لهم إعاقة أو عاهة، فمعظم المعلمين والمعلمات يفرطون في العقاب المدرسي ويغالون في العقاب البدني والمعنوي، كالذي قد اُنتزعت منه الرحمة، فصار يعاقب كل شيء، ويعاقب على الشيء الهين، حتى يعتاد الطلاب على العقاب البدني والعقاب المعنوي، كالتوبيخ والشتائم بألفاظ نابية لا تليق بالمعلم أو المعلمة. المهم أن الطالب الغلبان لا يجد من يفهمه حيث لا يعرف سوى لغة العقاب مما يدفع ببعض الطلاب من ضعفاء النفوس إلى الهروب من المدرسة تدريجيا،ً ثم الانقطاع عن التعليم، لأن العقاب ينفر الطالب حتى المجتهد، لأن الطلاب يحتاجون إلى عطف ولمسة حنان من المعلمين والمعلمات، ومعالجة مشكلاتهم مع أترابهم في الفصل عن طريق المشرف أو الاخصائي الاجتماعي، صوب التقرب من الطالب باعتبار المدرسة محيطاً أسرياً رفيع وراقٍ، فإذا غاب أحد الطلاب في الفصل الدراسي يكلف رئيس اللجنة الاجتماعية في الفصل لمعرفة أسباب الغياب فإن كان مريضاً تجتمع اللجنة الاجتماعية وتكلف بعض الطلاب تحت إشراف رائد الفصل لزيارة الطالب المريض. موقف وزارة التربية من العقاب: ثم إن قيادة وزارة التربية والتعليم كانت قد أصدرت قراراً وزارياً بمنع العقاب المدرسي«البدني، المعنوي» منعاً باتاً في عموم مدارس الجمهورية اليمنية، باعتبار العقاب المدرسي عنفاً يُمارس ضد الطلاب والحرم التعليمي والتربوي يربأ بنفسه أن يحتضن مثل هكذا سلوكيات ، فالعقاب المدرسي لا يثمر خيراً بل يزرع الشر، ويثمر العلقم، والسم الزعاف، الذي سيفتك بالتعليم والعملية التعليمية والتربوية على أن من الأحرى بوزارة التربية والتعليم أن تقوم بعملية توعوية للمعلمين والمعلمات تضعهم أمام أخطر وأبرز الآثار السلبية المترتبة على العقاب المدرسي لطلاب المرحلة الأساسية والثانوية فضلاً عن تزويد المعلمين والمعلمات بأبرز الاتجاهات التربوية الحديثة التي تناهض العقاب المدرسي بشتى صوره وأشكاله على نحو يشير ويؤكد على أن العقاب المدرسي البدني والمعنوي من موروثات عهود الانحطاط والتخلف حيث تجمع الآراء التربوية الحديثة على ذم ومقت وتحريم العقاب المدرسي في صورته البدنية البشعة والتي يقوم بها المعلم بضرب الطالب بعصا أو يكلفه ببعض الأعمال التي لا تناسب طبيعة عمره ومهمته، كأن يكلف بتنظيف الحمامات من القاذورات التي هي من صلب عمل فراش المدرسة، إلى ذلك يتوجب على وسائل الإعلام الرسمية والأهلية المختلفة توجيه حملة منظمة وهادفة للتنفير من العقاب المدرسي ، وتوعية المعلمين والمعلمات بالبدائل العملية والعلمية والتربوية الحقة عن الضرب وما يجرّه العقاب المدرسي من كوارث. إذن كيف نطبّق مبدأ الثواب والعقاب!! إذا كان العقاب المدرسي«البدني المعنوي» محظوراً، فكيف نعاقب الطالب المقصر والمؤذي!!.. إن ثمة بدائل عن الضرب والعقاب المدرسي، فالطالب المقصر الذي لا يتجاوب مع المعلم في الفصل ولا يحل الواجبات يتوجب عقابه من خلال الدرجات والعلامات الشهرية وإعلامه بذلك حتى الطالب الذي يثير الفوضى والبلبلة في الفصل الدراسي ينبغي التعامل معه بالدرجات والعلامات الشهرية، فثمة درجات في أعمال السنة للمواظبة والسلوك ودرجات للامتحانات الشهرية ودرجات للواجبات ودرجات للشفهي فعلى المعلم الحصيف أن يلجأ إلى عقاب الطلاب عن طريق الدرجات والعلامات الشهرية، وإذا لم يجدِ كل ذلك على المعلم أن يستدعي ولي الأمر عن طريق الإدارة المدرسية، ويضعه أمام تدني مستوى ولده دراسياً وحتى أخلاقياً من أجل إيجاد حلول ممكنة تؤدي إلى معالجة الأمر حتى وإن كلف ذلك إحالة الحالة إلى الاخصائي الاجتماعي لدراسة الحالة وإبداء المعالجات والحلول الناجعة لمثل هكذا حالة، علماً بأن الضرب والتوبيخ في سن مبكرة أو في سن المراهقة تكون لهما آثار وخيمة تؤدي إلى إرباك العملية التعليمية والتربوية في البلاد عن طريق تنفير الطلاب من المدرسة وتسرب وانقطاع لبعض الطلاب والطالبات فثمة إحصائية تقرر أن عدد المنقطعين عن الدراسة يقدر بحوالي مليوني طالب على الأقل لأسباب متنوعة معظمها تعود إلى استخدام العنف بالعقاب المدرسي للطلاب. وإلى لقاء يتجدّد والله المستعان..