رغم اتفاق جميع الأطراف السياسية على الساحة اليمنية وتوقيعها على اتفاقية حل القضية الجنوبية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني, إلا أن الكثير منا في هذا الوطن لا يزال يعتريه الخوف والشك في تجسيد هذه الاتفاقية على أرض الواقع والتوجه الصادق نحو بناء وتعزيز الدولة اليمنية الحديثة، لأن ما نشاهده ونعيشه من أحداث عنف وتخريب, ومكايدات وصراعات, وتناقضات بين أقوال وتغنّي بعض الأطراف والقوى السياسة بحب الوطن وحرصها على مصالحه ومستقبله وأمنه واستقراره, وأفعال وممارسات هذه القوى على أرض الواقع والتي تتناقض تماماً مع ما تقوله وتتغنى به تجعلنا في حيرة وشك من مصداقية هذه الأطراف في حبها للوطن وحرصها على مصالحه. فحب الوطن من وجهة نظري ثقافة يجب أن تكون راسخة في قلوبنا وعقولنا وسلوكنا وممارساتنا العملية لتحقيق كل ما فيه الخير والتقدم والنماء لهذا الوطن, حب الوطن بمعانيه ومضامينه العظيمة.. بدلالاته النبيلة وأبعادها العميقة هو ليس أقوالاً وثرثرة سياسية وشعارات ترفع في الفراغ لتحقيق أهداف وغايات هي أبعد ما تكون عن السلوك والممارسة العملية الحقة المجسدة لهذا الحب في العقل والقلب، في الوعي والوجدان، بل أن هذا الحب ينشأ مع الإنسان من الصغر ويكبر معه قيماً وأخلاقاً متحولاً من الأقوال إلى الأعمال متجلياً في جهود وعطاءات حقيقية صادقة لخير اليمن ونمائه وبنائه وتطوره، سياسياً واقتصادياً وثقافياً موحداً وديمقراطياً مستقراً وناهضاً يمضي صوب غد أكثر تقدماً ورقياً ينعم كل أبنائه بخيره ورفاهيته. وإذا كانت ثقافة حب الوطن تسري في دمائنا ويتغنى بها جميعنا، فلماذا يسعى البعض منا ويناضل من أجل تحقيق مصالحه ورغباته حتى لو كانت على حساب مصلحة الوطن العليا؟، ولماذا أصبح البعض منا يسعى لتخريب وطنه والإضرار بمصالحه ومنجزاته من أجل إرضاء نزواته الشخصية, أو الانتقام من غرمائه السياسيين, أو إرضاء جهات داخلية أو خارجية لا تهمها مصلحة اليمن وأمنه واستقراره؟، هل من يقطع الطريق ويخرب أبراج الكهرباء ويقتل النفس التي حرمها الله ويعيث في أرض الوطن فساداً يمكن أن يكون يمني الانتماء، محباً لوطنه وحريصاً على أمنه وتقدمه واستقراره؟، هل كل من يسعى جاهداً لبث الفتنة والخلاف بين أبناء الوطن ومحاولة تمزيقه, يمكن أن يكون مخلصاً لهذا الوطن ويهمه أن ينعم أبناء الوطن بالعيش الرغيد والمستقبل الزاهر؟، وأخيراً هل فقد الكثير منا الإحساس بالحب والانتماء لهذا الوطن؟. إن ثقافة حب الوطن تعني أشياءٍ كثيرة يجب أن تنعكس في سلوكنا وواجباتنا نحو هذا الوطن، فهي تعني احترامنا للقانون، وأن نعرف واجباتنا قبل أن نطالب بحقوقنا، كما تعني المحافظة على المال العام وممتلكات الدولة، وأن تكون شوارعنا نظيفة، وأن يكون عملنا منتجاً وجيداً، وأن نحترم الآخر مهما اختلفنا معه ، وأن نلتزم بالقوانين بما فيها المرور، ونرفض الرشوة، دفعاً أو تسلماً، وأن نحرص على تطوير أنفسنا وقدراتنا من أجل خدمة ورفاهية الوطن. وأن يشعر كل مواطن بأن مصلحته تكمن في مصلحة وطنه، وأن الأوطان بأبنائها وأن الإنسان لا يكبر إلا بإكباره لوطنه، ولا عزة ولا كرامة له إلاّ بعزة وكرامة وطنه وأنه لا سبيل لتطور هذا الوطن إلا بتضافر جهود أبنائه وإخلاصهم في الولاء له. فالوطن ليس المكان الجغرافي الذى نسكن فيه، بل هو ذلك الانتماء العميق الذي لا يمكن فيه فصل الإنسان عن وطنه ،لأنه قطعة غالية منا تكتحل عيوننا بأضواء شمسه وإشراقه ومعطياته، فينبغي أن يكون حبنا له ثقافة راسخة في قلوبنا وأرواحنا ومشاعرنا, نخلص له ونبرّ به وندرأ عنه الشرور ونتفاعل مع مستلزماته ونهوضه وتطوره تفاعلاً إيجابياً ونعمل على نشر ثقافة حب الوطن بين أبنائه وأجياله من خلال المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية، ليظل هذا الوطن دوماً وأبداً في سويداء قلوبنا أنشودة عذبة، وثقة ومحبة , ونعمل جميعاً بكل عزم وإصرار وتضحية وتفانٍ من أجل أن نحقق له الخير والتقدم والنماء.