في جولة توعوية تجاوزت العشرة أيام على مدارس المديريات الثلاث «المظفر ، القاهرة ، صالة» تعمدت أن يكون موضوع مادتي التوعوية حول العنف المدرسي وكيف يمكن أن يكون من أهم أسباب التسرب من التعليم خاصة مع أولئك الأطفال الذين لديهم العديد من الأسباب الأخرى التي تجبرهم على التسرب، ثم يأتي العنف بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير ليكون المعلم شريكاً أساسياً في جريمة ترتكبها الدولة بكل أجهزتها ووزاراتها تتلخص في دفع الجيل إلى احتراف البطالة وامتهان البلطجة وتسييج مساحة الإبداع لديه بالإمكانات الشحيحة والفرص غير المتوفرة وكأن الأمر يحتاج إلى حدوث معجزة حتى يكون لهذا الجيل فرصة كافية للنجاح والإبداع والتألق. في تلك الجولة رأيت وسمعت وأحسست بما يمكن أن يدفعني لأقول: إن أبناءنا وبناتنا من طلاب وطالبات العلم يجلسون يومياً على مقاعد الدراسة أمام جيش من الجهلة والمتطفلين على الصرح العلمي، مع احترامي الشديد لتلك النخبة الصالحة التي تحاول جاهدة أن تلعب دور المعلم الحقيقي لكنها في نفس الوقت تكافح لتثبت صحة مبادئها ومستعدة لأن تفعل الكثير لأجل ذلك. في حقيقة الأمر أدهشني ما طرحته معلمات كثيرات حول أهم مشاكل التعليم في الوطن وما الموقف الذي على المعلمين والمعلمات تبنيه لمساعدة الطالب على تجاوز تلك الصعاب وتخطي تلك المعوقات لضمان الوصول إلى بيئة تربوية وتعليمية صالحة لإنجاب جيل قوي ومتميز لكن في ذات اللحظة كنت أواجه نماذج تربوية من المؤسف أنها انتمت في وقت ما إلى ميدان التربية والتعليم لما تطرحه من رؤى ونظريات سطحية، مادية، تهميشية، لتصب جام غضبها على جيل بكامله مدعية أنه لا يستحق إلا الحرق!.. وكنت أتساءل في نفسي: وماذا تستحق معلمة تفكر بهذه العقلية الضبابية المعقدة؟! فبين معلمات ومعلمين لا يرجون من الانتماء للسلك التربوي إلا مصالحهم ومزاياهم المادية، إلى آخرين يعجزون عن الاستفادة من كل ماهو متاح من الوسائل التعليمية لمساعدة الطلاب على الاستيعاب، إلى آخرين تدفعهم عقدهم النفسية ومحطات حياتهم البائسة إلى تعرية هؤلاء الصغار من إنسانيتهم واستخدامهم كمادة حية تشكلها أناملهم القذرة في أسوأ صورة للاستغلال و الاستهتار والتعدي على حدود المهنة وتجاوز مهماتها الإنسانية. بين هؤلاء من يسيء إلى الطالب أو الطالبة ككيان بشري مستقل له حقوقه الفكرية والجسدية التي لا ينبغي التعدي عليها وحرمانه من التمتع بها، كما أن عليه واجباته التي يجب ان يجتهد المعلم وتجتهد المعلمة في ترسيخها لديهم لكي يكتمل بهذا دور المحيط الأسري والتربوي في التنشئة المجتمعية الشاملة. أقولها وبكل أسف: إن وزارة التربية والتعليم «وشأنها في ذلك شأن سائر الوزارات» مقصرة في تأهيل كادرها الوظيفي، لكن كان ينبغي ومن باب أولى لصالح هذا الجيل أن يتم تأهيل هذا الكادر بشكل مدروس ومنطقي وممنهج حتى يمكن إحداث التغيير الذي ننشده لفظاً ونعجز عنه سلوكاً.. أعتذر ان يكون فيما كتبت أية إساءة لأي مخلص في هذا الميدان، وأما الذين ارتفعت أيديهم وأصواتهم في وجوه الصغار الذين نراهم كل ما نملك فنقول: رسولنا الكريم كان معلماً، ولم يستخدم أية آلية أو منهجية لإيصال رسالته سوى اللين « ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك» صدق الله العظيم، وأنتم اليوم أصحاب رسالة وتقفون على ذات المنبر الذي وقف عليه معلم الأمة، فما الذي يحول بينكم وبين استخدام اللين؟!.. تذكروا أنه لم تكن هناك بنية تحتية تعليمية، فالتعليم رسالة فكر وروح وجسد وليس خطة وزارية قابلة للتعديل.