يوم عظيم وذكرى غالية وتحوّل تاريخي بامتياز في حياة البشرية أزاح الله به ظلام الجاهلية وظلمات الشرك وعبادة الأوثان وأنار بمولده الكون.. هذا اليوم هو مولد النور .. مولد الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم، مولد سيد الخلق وأشرفهم وأعظمهم، بل وأعظم رجل عرفته البشرية.. كيف لا وقد مدحه المولى في محكم كتابه «وإنك لعلى خلق عظيم». في هذا اليوم ميلاد الهدى والنور أشرقت الدنيا بنور جديد أضاء مشارق الأرض ومغاربها.. فانطفأت قناديل الشرك والفرس والرومان.. إنه النور القادم من مكة إلى العالم كافة.. إنه المنقذ والهادي للبشرية كلها من الشرك وعبادة الأصنام.. إنه قبس من نور النبوة، وضياء الرسالة، وشعاع من مشكاة الخلق المحمدي الطاهر. فهو من خير أسرة في أنبل قبيلة لأكرم شعب، وأزكى جنس.. لذا فهو خيار من خيار.. اجتمع فيه شرف النسب وكرم الأصل، وعظيم الصفات والأخلاق. هذا النور محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم جاء رحمة مهداة ونعمة مسداة.. نوراً .. وضياءً.. بشيراً ونذيراً.. جاء ليخلص الناس من شرك الجاهلية والعصبية إلى نور ورحاب الإسلام.. وقيم الحق والمواساة.. ومن ضيق الدنيا وغشاوة حالها إلى سعتها واتساع سبلها وآفاقها.. من الظلمات إلى النور.. من التناحر والضياع إلى المؤاخاة والإيمان. هي مناسبة عزيزة وغالية علينا نحن المسلمين ونعمة من أجلّ النعم أن شرفنا الله وأكرمنا بنبي الرحمة والهداية، حيث بعثه فينا ليزيل عنا غبار الشرك والجاهلية، فجاء خاتماً للأنبياء والرسالات، وزاد أن خصّه الله بخصائص لم يختص بها نبي قبله.. خاصية الشفاعة.. فاشفع لنا ياسيدي.. فهذا يوم مولدك أيها الشفيع.. اشفع لنا على ما اقترفناه من ذنوب وآثام.. وما اجترحناه من بعدك من أوهام وضلالات. عذراً يارسول الله.. فنحن اليوم مشغولون في ذكرى مولدك بزخارف وأهواء الدنيا.. مشغولون بأجواء السياسة.. والمصالح الآنية.. ندّعي معرفتك وحبك.. ونحن غافلون لم نتبع سنتك الشريفة المطهرة.. بل هناك اليوم من يدعي أنه يقاتل ويحارب تحت راية حبك.. وأحقيته بتمثيلك فيقتل المسلم أخاه المسلم، وكلاهما يدعيان حبك. عذراً يارسول الله.. يوم مولدك لم يعد إلا مجرد ذكرى عادية، لإسقاط الحرج، فالبعض منا جرد سلاحه وسخر ماله وفكره لمحاربة أخيه المسلم ظناً منه أنه يدافع عن سنتك. عذراً رسول الله.. فأمتنا خير الأمم اليوم تاهت في طريق الغواية والضلال.. وأصبحت أوطاننا مرتعاً للفتن والحروب.. والبدع والتكفير.. فكل طائفة تكفّر الأخرى وتفسّقها.. ومذاهب ما أنزل الله بها من سلطان.. وحالنا تمزق وتفرق وضياع، بل وهناك دعوات للتمزق والانقسام.. كل هذا لأننا لم نعرف قيمتك ولم نعظم رسالتك، فاتبعنا الشهوات والأهواء.. وأضعنا درب الهداية وأطفأنا مصابيح دعوتك واستبدلناها بأحكام وقوانين الغرب والأعداء حتى تحول البعض منا إلى دراويش ومجاذيب يدعون حبك ولا يجيدون إلا الاحتفال والفخر بمولدك تحت ظلال الطعن والجذب وسفك الدماء. ذكرى مولدك يارسول الهداية.. ويامنقذ البشرية نور ينبغي لنا اتباعه، وان نسير على هداه، ونقتدي بسنتك الغراء.. وننهج سبل النجاة والفلاح. فليكن احتفالنا بمولد النور احتفاءً بدعوته، وأخلاقه وشمائله الكريمة ومبادئ رسالته القائمة على العدل والمساواة والرحمة والهداية.