لم تزل هموم البناء والتنمية هي المسيطر الفعلي على اهتمامات الشارع الشعبي الذي ظل طيلة عقود خلت ينشد التقدم والازدهار والتحديث والتمدن، حيث يجد نفسه اليوم قاب قوسين أو أدنى من الدولة المدنية الحديثة التي يزدان فيها العمل المؤسسي المقدس لأبجديات النظام والمترجم لمفردات اللوائح والقوانين المنظمة في مضمار سباق لتقديم أفضل الخبرات وأرقى الكفاءات على قاعدة تجسيد مبدأ الثواب والعقاب ليكافأ المتقن ويُعاقب المسيء إعمالاً لنفاذ القانون الذي لن يظل حبيس الأدراج. فثمة جهود تُبذل صوب استكمال معالم الدولة المدنية الحديثة عن طريق مجافاة العبثية في التعقيد والتقنين واستخلاص زبدة ما وصل إليه العقل البشري من العصرنة والتمدن والتحديث مع مراعاة الحفاظ على الهوية الدينية والقومية، وإظهار ملامح الخصوصية الوطنية، في عزوف تام عن المحاكاة العمياء والتقليد السطحي الأهوج اللذين يفرضان حياة الشقاء ويدفعان بالأمة والمجتمع إلى الجحيم والفشل، ذلك لأنهما يحجبان الإفادة من جوهر التجارب والاكتفاء بقشورها. ولقد أضحى في حكم المؤكد أن النخب السياسية والثقافية والفكرية قد وعت الدرس وهي في منأى عن المتاجرة بأحلام وأماني وتطلعات الطغيان لا محالة إلى زوال طال الأمد أم قصر، فثورات الربيع العربي أقضّت مضاجع الطامعين في السطو على ثروات ومقدرات الأمة، لا سيما في ظل تنامي الوعي الشعبي الذي يعطي فرصاً عديدة للحفاظ على المكاسب والمنجزات والثروات والمقدرات. وإجمالاً نستطيع القول: إن مستقبل الأمة اليمنية الواعدة مازال في طور التخلق، وساعة المخاض لاريب أنها قريبة إلا أن ثمة محاولات يائسة ومشبوهة تروم إجهاض المولود قبل ساعة المخاض المرتقبة، ما يستدعي تضافر جهود كل الخيرين في هذا الوطن المعطاء الغالي بغية إيصال الأمة إلى المستقبل المنشود بأقل تكلفة وبأبسط الخسائر من أجل أن نضع أيدينا على مستقبل اليمن الوضاء المشرق في ظل الدولة المدنية الحديثة التي ستغذي نوازع الحرية والمواطنة المتساوية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية حتى تكتمل فرحة الأمة ونحيا في رغدٍ من العيش، وبحبوحة من السعادة حيث الرخاء والانتعاش الاقتصادي والازدهار السياسي والتربوي.