الإفلاس مفهوم اقتصادي يعني فقد المفلس قدرته على الوفاء بالاستحقاقات المترتبة عليه تجاه الآخرين وعجزه عن الاستمرار في إدارة عمله ومعاملاته, ودينياً فإن المفلس يوم القيامة من يأتي بحسنات ومعها إساءاته للآخرين, فتذهب حسناته في تعويض ضحاياه ثم يضاف إليه من سيئاتهم أو كما هو مروي عن الرسول محمد، صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً. الإفلاس في المجال السياسي هو الحالة التي يفقد فيها تيار سياسي رصيده الجماهيري بأفعال أدت الى أن يخسر جمهوره أولاً, وإلى أن يتحول هذا الجمهور إلى خصوم, وهذا الوضع مشهود عليه في الدورات الانتخابية خلال خسارة الأحزاب في صناديق الاقتراع؛ فهذا هو الإفلاس السياسي. والإفلاس يمتد كمفهوم إلى العلم وفلسفاته الخاصة بتفسير الظواهر المختلفة, ويعود الفضل في نحت مفهوم الإفلاس التفسيري إلى العالم الأمريكي لاري لوران الذي يعد من أهم فلاسفة العلم ونظريات المعرفة المعاصرين, والإفلاس التفسيري هو الحالة التي تفقد فيها النظريات العلمية قدرتها على التفسير الصحيح للظواهر المختلفة. إذاً فالإفلاس التفسيري في المجال السياسي هو عجز التيارات السياسية عن تقديم تفسير مقبول ومعقول للواقع السياسي والأحداث المتحركة على المدين: القصير والطويل, وهذه الحالة واضحة جداً في الوضع الراهن لجماعة الإخوان, وخصوصاً في مصر، فهذه الجماعة في حالة إفلاس تفسيري للواقع المصري المتحرك شعبياً وسياسياً بأحداث الانتفاضة التي ابتدأت مسيرتها في 25 يناير 2011م , وتجددت حركتها في 30 يونيو 2013م, إذ عجزت الجماعة عن تقديم تفسير صحيح لظاهرة صعودها الشعبي والسياسي إلى صدارة المشهد المصري ثم تراجع هذه الصدارة في مسار انتهى بالإخوان إلى الخروج التام من المشهد كله. لقد خسرت الجماعة رصيدها الشعبي بأفعال مارستها وكانت نتائجها الخسران ولكن الخسارة صعقتها فأعمتها عن رؤية الواقع كما تجلّى بالوقائع, فعجزت عن تفسيره, ثم قدمت تفسيرات خاطئة تعمدتها الجماعة لتعفي نفسها من حمل مسئوليتها عن النتائج التي حصدتها وكانت عاقبة طبيعية لما قدمته من ممارسات من موقعها في سلطة الحكم, لذلك تقدم تفسيراً مشبعاً بوهم المؤامرة وظنون الانقلاب متمسكة بإنكار الواقع الجماهيري المحتشد ضدها شعبياً ونخبوياً, لتصل بهذا الإنكار إلى حالة إفلاس تام في الرؤية كما في التفسير وفي التصور كما في التصرف, لتتخبط في حيرة مبهمة ونشاط عبثي وحركة منفلتة من ضوابط الرؤية الواضحة والعمل المنظم والهدف المحدد. [email protected]