من المفارقة العجيبة والمُخزية في آن أن نكتشف وبشكل بدهي حال المقارنة أن إجمالي موازنة وزارة الثقافة في اليمن لا تصل حتى إلى نسبة 5 % من الموازنة المخصّصة «لمصلحة شؤون القبائل» أي لفائدة “سلطة شيخ الجن” والتي تقدّر بحوالي 16 مليار ريال, فكيف يمكن لمجتمع يصل تعداد سكانه إلى ما يقارب ال«30 مليوناً» أن يتجاوز صراعاته وتخلّفه السياسي والثقافي وقطائعه السلبية إذا كانت كل مشاريعه الطبيعية والمدنية في الحياة لاتزال غير مستوعبة أصلاً كمورد أساس ضمن الموازنة العامة للدولة..؟!. كثيراً ما نسمع أو نقرأ في كثير من البلدان الأجنبية وبعض البلدان العربية عن وجود لجنة الثقافة والإعلام في البرلمانات، ويكون من صلب مهامها تمحيص ونقاش وتقدير اهتمام موازنة وزارة الثقافة لديها، وتقدير فعاليات نوعية تمت أو ستحدث في سياق استراتيجية وطنية لبلدانها خلال موازنات جديدة قادمة. وفي بلد كاليمن وهو بلدنا الذي نعتز به رغم المكابدات والمفارقات تبقى سمة التنوع الثقافي والاجتماعي لاتزال بالرغم من ثرائها المتعدّد دونما اهتمام لا حكومي ولا مجتمعي يتفاعل بإيجابية للضغط في اتجاه الانتصار لتقدير الإبداع والثقافة موضع يليق بهما وبمبدعيهما المشردين, فلم نسمع خلال بضعة الأعوام المنصرمة عن تقديم شرح مفصل مثلاً مقترناً بالبيانات والجداول يوثّق طبيعة الفعاليات والأنشطة المتنوعة التي نفذتها دوائر ومؤسسات ذات علاقة بالثقافة، أو قدمت عرضاً باحتياجاتها كأسس لاعتماد استراتيجية ثقافية جديدة. ومنذ بداية هذا العام والعام الماضي وإلى الآن لم نلمس وجوداً لمهرجانات مثلاً تضم الشعر وورش السرد الروائي وملتقيات الحوار الثقافي والعروض المسرحية إضافة إلى الأفلام السينمائية والتسجيلية منها، كما لم نلمس الاهتمام برعاية المبدعين بدعم الفنون والإبداعات المختلفة، ورفد صندوق التراث والتنمية الثقافية بمزيد من الموارد والاستقطاعات من السجائر وتعرفة الاتصالات كمورد يذهب لتعزيز موازنة صندوق الثقافة وتنمية حقول وإبداعات اليمنيين وضمان كرامة العيش للمبدعين والفنانين، وإقامة معارض التشكيل وورش الفن الخاصة والمتخصّصة إلى غير ذلك. لم نجد اهتماماً كما هو الحال في بلدان كالعراق وتونس ومصر والمغرب والإمارات مع فارق التفاوت من حيث الإمكانيات ومصروفات الرصد لمشاريع وبرامج الثقافة والإبداع ورعاية التجارب دون منّة أو إشعار المبدعين أن فتات ما يقدّم لهم محض “صدقة” مع أنه حق طبيعي واستحقاق يحتاج إلى مضاعفة جهوده واستشعار أهمية الثقافة وتقديراته لها لفائدة النهوض بالمجتمع حضارياً لا مجرد شعار في التلفزيون. لم نسمع في اليمن تحديداً عن تقديم عرض لبرامج التعاون والتنسيق بين وزارة الثقافة ومنظمات المجتمع المدني سوى تلك المبادرة التي تمثّلت في رؤى مؤسسة الشرق الثقافية وجهود الأستاذ الشاعر عمار النجار في طرح وتفعيل برنامج ومصفوفة “السياسات الثقافية والتي استجابت لها وزارة الثقافة مشكورة في تبنّي مؤتمر السياسات الثقافية, في حين يبقى أن طموح وخيارات حاجة اليمن إلى لبنة أساسية لاستراتيجية وطنية للثقافة؛ وذلك لما من شأنه تعزيز ودعم الجهد الثقافي والرؤى الوطنية لمبادرات المبدعين وتجاربهم بالتعاون مع هيئات الوزارة لإحداث نهضة في طباعة الكتب الفكرية والأدبية والفنية ضمن مشاريع واستراتيجيات ولقاءات قادمة. نأمل ونطالب كحق مشروع من الحكومة أن تضع تقديرات مضاعفة لموازنة الثقافة الوطنية والاهتمام بالإبداع في علاقته بالمجتمع نصب أعين المرحلة القادمة في معيار التنافس الوطني للأقاليم. [email protected]