بدون استيعاب الفكر الوطني والضمير الثقافي الحر والمتنور في مرحلة خطيرة كهذه تمر بها اليمن، ستذهب اليمن في مهاوي الردى إن لم يتم تغليب الرؤية الوطنية في سياق مرحلة الحوار الوطني الذي لا بد وأن يأخذ معيار مصلحة الشعب والوطن في حياة آمنة ومستقرة,لأن اليمن تحتاج اليوم وغداً أكثر من أي وقت مضى إلى خطاب حقيقي ورؤى صادقة كمخارج فكرية تطرح بعيداً عن الزيف والمزايدات. ذلك أن الخطاب الوطني في السياسة ومعادلتها في الحياة اليمنية لم يتأسس بعد منذ أكثر من نصف قرن سوى في أطياف خطاب عبد الله باذيب والبردوني والجاوي وعبد الحبيب سالم مقبل والشحاري وعبد الله الحضرمي والربادي والأستاذ الحي بيننا أحمد قاسم دماج وعبد الباري طاهر وعدد من الكتاب الأثيرين كمنصور هائل وسامي غالب والأستاذ عبد الله عالم وأروى عثمان وآخرين غيرهم كثير بعضهم قضوا لكن إبداعاتهم ورؤاهم باقية وهناك مواقف ورؤى شجاعة لكوكبة من الشباب اليمني المبدع أيضاً في مجالات مختلفة.. من هنا يستدعي النظر إلى طبيعة الإشكالية في اليمن بصورة تجعل من كل مواطن في ذاته يشعر بمسئولية وأهمية وخطورة المرحلة في آن،وحتى يتم النظر إلى أبعاد تقدير الأحداث وما يحدث وما سيحدث لأن حجم الاستحقاق في حياة مستقرة مسألة لا تقبل مزيداً من التفريط وصناعة قطائع لم تعد تحتملها اليمن أرضاً وإنساناً وبخاصة إذا ما نظرنا إلى طبيعة الصراع السياسي المصنوع بتعقيداته المختلفة وتناقضاته، وإذاً تبقى الحاجة إلى حشد رؤى وطنية صرفة وتصورات متماهية مع هوية أعم وأشمل لوطن وحياة تتأسس على مبدأ التعايش المدني ،باعتبار أن العالم اليوم يبتكر طرائقه في حياة العمل ويفكر بشكل متسارع,لينتج ويتفاعل ويصنع المصانع كآلات تديرها غالباً آلة صنعها العقل أيضاً وصنع احتياجاته عبرها وبصورة مفارقة لفكرة العمال في بعض الأماكن وهويتهم الوجودية وصلتها بالعرق والعمل والإنتاج طبيعة حياة واحتياجات. غير أن بعض تلك الدول التي تتبع أفكاراً منذ عقود قد صنعت من خلالها ثورات بالتكنولوجيا والاختراعات في حين أننا ما زلنا نعيش ما قبليات كثيرة من قطائع أحدثتها السياسات الخاطئة،لأننا ما زلنا نحلم بأن نكون وما زلنا نعيش طموح تأسيس ما بنت عليه نماذج بعيدة عنا من فكرة الثورة الزراعية التي تم ربطها بواسطة العقل إقتصادياً وسياسياً بأنماط الاستهلاك وطبيعة المحاصيل والأرض على صعيد زراعي, كم نحن بحاجة في لحظة ثقافية كهذه إلى إيجاد فكرة المصنع مفهوماً ومعطى في الثقافة الإجتماعية ،وهناك ما يشي بتأسيس لخطوات إيجابية لفكرة المصنع في اليمن،غير أن أخطاء ولا مبالاة من حكموا في تعاقبات شتى قد دمرت الإنسان والآلة معاً كما أتت أو كادت أن تأتي على ما تبقى من منظومة القيم في المجتمع عموماً,لكن صيغ التحول الإيجابي لا تتم غالباً في ظل سياسات شمولية،باعتبار أن فكرة التحول فكرة تفاعلية وتشاركية قبل أن تكون مجرد شعار أو سبورة سياسية للمحو,كما أن منظومة العمل والعمال ضمن مشروع الدولة لا تقوم أو تنهض سوى إذا توافرت لها شروط الإسهام في تنمية هوية مهنية للعمال تمثل شخصية اعتبارية ووطنية وقانونية حقوقية تمثل هوية المجتمع في المهنة كما في علاقته بالإنتاج والعمل بإنصاف. هكذا يصبح العمل هوية تبني,وهوية تتجاوز في دورها مؤسسات فائضة عن حاجة المجتمع في واقع بيروقراطي إلا على سبيل الإهدار كما تطالعنا جهات ومؤسسات ومصالح بعينها تزعم علاقتها الخدمية بمجتمع الأفراد أو العمال ،في حين أن جدوى ما تقدمه يساوي صفراً ،وهنا لا بد من الإسهام من قبل المثقفين والكتاب لإيجاد الأفكار والطروحات الثقافية والمحاضرات الوطنية والفكرية المناسبة لتطوير منظومة العمال والعمل الوطني في مختلف المهن ومرافق الوظيفة العامة والخاصة والحرف الأخرى.لتأتي كمصفوفة تبحث بجدية لتعزيز واستعادة الدور الطليعي للكتاب والمثقفين والمبدعين اليمنيين.وتستعيد دورهم الذي كان,كما عبر الاستفادة من تجارب الآخرين من أجل استيعاب خطاب وقيم جديدة وفاعلةعبر شاشة خيارات العمل اليوم وتأثيراتها في تحولات المجتمع وبناء البلدان,لأن تنوير المجتمع يخلق ثقافة مواكبة لخطاب مستقبلي واستراتيجي متحول دائماً باصطلاحاته وثوراته الجديدة التي يسهم فيها خبراء وهو ما تحتاجه بلادنا لوضع مدونة تشريعات اختصاصية لمرحلة قادمة في مختلف أبعاد القضية اليمنية لتجاوز نمطية التفكير المزمن والبالي عند النظر للمشكلة.ما يتطلب استحداث طرائق حديثة ومعيارية تتناسب و طبيعة الراهن بمطالب مشروعة يدعمها التوجه المدني والشعبي والعمالي متفاعلاً لتأصيل الهوية المهنية والحقوقية والقانونية للمجتمع اليمني بخيارات بناء الحاضر والمستقبل على أسس العدالة الإجتماعية وقيمة الإنسان التي لن تتحقق سوى في ظل معادلة العدل في الثروة والعمل الوطني بمعايير مؤنسنة. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك