الالتفات نحو المبدعين بعين الاعتبار بادرة طيبة من البوادر التي كنا ننتظرها طويلاً أن تصبح محل اهتمام الجهات الرسمية وخاصة منها «وزارة الثقافة» ومكاتبها العامة في عواصم المحافظات، والسلطات المحلية أيضاً. وما نشاهده ونسمعه اليوم سوف يساعد ذاكرة المبدع على إعادة بعض الثقة ليس إلى نفسه وإنما إلى الجهات المختصة به والمسئولة عنه كونه أي المبدع يمثل واجهتها والأساس التي تنبني به أعالي مشاريعها الثقافية.. بمعنى أن المبدع هو سر بقاء الجهات الثقافية الرسمية في حيز الوجود فإن طُمست صورته واختفى من الساحة فلمن وعمّن ستكون وزارة الثقافة قائمة ومسئولة؟ وانطلاقاً من كون المبدع هو أسّ الحراك الثقافي وصلب اهتمامات الوزارة المسئولة يبقى الاهتمام به من الوزارة المذكورة أمراً لابد منه.. وما الكثير من النقد الموجه إلى وزارة الثقافة إلا بسبب إهمالها للمبدعين فإذا ما خرجت هذه البادرة إلى الساحة فإنما نضع أيدينا على أول الطريق لبلوغ الأهداف المرجوة على طريق التنمية الثقافية، ولقد سررت جداً بقيام وزارة الثقافة ومكاتبها في المحافظات بتكريم مبدعي المحافظات في الفكر والفن والأدب والثقافة..إلخ والتي كان آخرها الاستعداد لتكريم «100» مبدع في محافظة الحديدة.. قد يقل أو يزيد عدد المكرمين عن المعلن عنه.. ومثل هذا فقط هو ما سيجعل هذه الخطوة تؤتي ثمارها وستجعل من المبدعين في نفس الوقت أكثر إبداعاً.. ثم إننا وبالقدر الذي نثني فيه على وزارة الثقافة ومكاتبها في المحافظات على مثل هكذا خطوة فإننا نطالب الوزارة المعنية والسلطات المحلية على مستوى المحافظات والمديريات بمضاعفة الاهتمام والرعاية والدعم بالمبدعين من خلال اهتماماتها ودعمها للمؤسسات الثقافية كونها البيت الذي يستظل بظله المبدع وينمو ويترعرع في أحضانه.. إننا نتمنى ألا يقف الحراك عند حد التكريم «الجزئي أو الكلي» أو التكريم القائم على اختيار أو انتقاء عينة من المبدعين لتكون ممثلة للكل.. وإنما نطالب الجهات المذكورة آنفاً بتكرار تجربة التكريم مراراً وتكراراً أولاً حتى تشمل عملية التكريم كافة المبدعين في مختلف صنوف الفكر والثقافة.. وفي مختلف ربوع الوطن.. وثانياً وهذا هو الأهم فإننا نطالب تلك الجهات «الوزارة المعنية والسلطات المحلية» بتفعيل دور مكاتب الثقافة المنتشرة في الأمانة والمحافظات والمديريات من خلال دعمها المادي والمعنوي باعتماد نفقاتها التشغيلية إن كانت غير معتمدة ورعاية برامج أنشطتها الثقافية على مدار العام والعمل بين الحين والآخر على نشر إنتاج مبدعيها وطباعته كتدخل مباشر وسريع وإيجابي لمصلحة هذا المبدع أو ذاك من لاتسمح ظروفهم المادية على الطباعة أو النشر...إلخ فالجميع يعلم بالأعداد الهائلة من المبدعين الذين يقفون بعيداً عن الأضواء وتظل إبداعاتهم «تنام في الدرج تحيا في لياليه»... فاليمن أرض الإبداع بلا منازع على مستوى المنطقة بأسرها وقد شهد بذلك الكثير من رجالات الفكر والثقافة والفن والأدب من خارج الوطن بعد كل زيارة لهم لبلادنا وآخر الشواهد الفريق السعودي الثقافي الذي خرج أعضاؤه من اليمن بانطباعات حسنة وطيبة أشادت في معظمها بالمبدع اليمني في كل حقول الانتاج الفنية والشعرية و... و..إلخ. أما أن يظل التكريم ذو الطابع الزائر أو المؤقت وذو الشكل الواحد فإن المبدع لن يستطيع تجاوز حدود موقعه ما لم يكن الاهتمام واسعاً بحيث يشمل المواقع التي يتحرك فيها كمبدع، كمكاتب الثقافة وفروعها والمنتديات وفروع الإتحاد العام للأدباء..إلخ لأننا وخاصة في المديريات أكثر مانلاحظه هو عدم اهتمام المجالس المحلية بقطاع الثقافة ،إذ إن نظرتها لمكاتب الثقافة نظرات قاصرة جداً مقارنة باهتمامات المجلس المحلي في المديرية بالمكاتب الأخرى كالصحة مثلاً.. ولانريد أن نتطرق إلى الملايين من الريالات التي تعتمدها بعض المجالس المحلية من أجل أحد القطاعات الخدمية كالصحة في إحدى المديريات رغم عدم وجود أي مردود خدمي ينفع الناس ولايكلف المجلس المحلي نفسه بمناقشة ضرورة اعتماد نفقة تشغيلية لمكتب الثقافة بمديريته حتى ينشط هذا الفرع وتكون السلطة المحلية بذلك قد عملت على أداء رسالتها بدعم الإبداع والمبدعين من خلال الاهتمام بفرع مكتب الثقافة فيها، لانريد أن نتطرق لمثل هذه الوجوه السلبية ونظل نكتفي دوماً بدعوة الجميع في السلطات المحلية ووزارة الثقافة إلى الاهتمام قليلاً بفروع مكاتب الثقافة في المديريات ودعم منتديات المديريات ورعاية الحراك الإبداعي فيها ومساعدة مبدعيها بالطبع والنشر والتكريم. فلتكن خطوة تكريم مبدعي المحافظات الأولى على درب العطاء والاهتمام الكبير.. ولتكن إرادة قيادتنا السياسية في تطوير القطاع الثقافي والإبداعي هي أملنا الأكبر في دعم المبدعين والثقافة بشكل عام في بلادنا التي تحتل مساحة كبرى وهامة في برنامج فخامة الأخ رئيس الجمهورية الانتخابي.. فمزيداً من الخطوات والبوادر المشرقة ليزداد المبدعون إشراقاً على طريق التنمية الثقافية.