الكتابة في الشأن العام ليست مجرد تعبير عن موقف ورأي الكاتب فقط ,بل إنها في الأصل كتابة عن الكينونة والانتماء والهوية, وهي بما تعنيه في هذه الثلاثية, فرادى ومجتمعة, تعبير عن قيم وإيمان وعمل بصدق الإيمان يجسّد الالتزام بتلك القيم في واقع الحال المعيش في نفس وضمير الكاتب أولاً, ثم بين الناس. كثيراً ما تدور أسنّة الأقلام في الكتابة مع مصالحها وهذا وضعٌ لا حرج فيه ولا عيب, فالمصلحة دافع كل كاتب وغايته, حتى وهذه المصلحة محصورة به شخصياً, لكن دوران أسنّة الاقلام في الكتابة يفقد المصلحة منه حال خروج صاحبه من الإطار القيمي الناظم لحركة المصالح والحاكم لاتجاهات حركة الكتابة في ذهن الكاتب ووعي القراء. والثابت هو أن الإطار القيَمي الناظم لحركة المصالح محدّد بكل وضوح في الخير العام, أو على الأقل تجنّب الإضرار بالغير, فالكلمة سلاح إن لم يدافع عن الحق والفضيلة, فهي سلاح تدمير شامل, خطرها يبدأ من تدمير منظومة القيم وتخريب حركتها التمييزية للنافع والضار من شئون المعايش وأمورها الخاصة والعامة. كثير من الكُتّاب وخاصة في وطننا العربي يجعلون مدار حركة المداد المسفوح على الورق المنشور مرهوناً لأهواء الساسة في سلطة الحكم, أو لأوهام الساسة خارج سلطة الحكم, لكنهم وقد تفلّتت أقلامهم من نظام وحاكمية الإطار القيمي يجدون أنفسهم وقد وقعوا في إثم الاختلاف الكثير بين رأي ورأي في جديد المختلف عن قديمهم المعروف, مثلاً بالمثال المشهور شعبياً :«من تزوج أمّنا...» في الإطار القيَمي يمكن للكاتب أن يمتدح ما يستحق المدح وبأسلوب رفيع وكريم, وأن ينتقد ما يستحق الذم بذات الرفعة والكرامة في الأسلوب, ويمكنه التراجع عن الخطأ والنسيان بكل التقدير الذي اكتسبه من صرامته في الحق ورصانته في التعبير. أحياناً قد يكون النقد أنفع للقضايا السياسية من المدح المبتذل، والواقعية أفضل من المبالغة، والسفه، ومع ذلك ينزلق الكُتّاب إلى مرتع الابتذال حين لا يتركون للقلب وحده أن يمدهم بحبر الكتابة, خصوصاً حين يعيش الذين يكتبون بحبر القلب وحده عيشة ضنكى بالفقر والحرمان , ومع ذلك فالمجد أبقى بالصدق وقوة التأثير للذين يكتبون بحبر القلب. [email protected]