وأنت تسمع عن إقرار لجنة شؤون الأحزاب دخول مجموعة أحزاب جديدة إلى الساحة السياسية؛ قد يتبادر إلى ذهنك السؤال عما إذا كان هناك حقاً أفكار ورؤى جديدة قادرة على خلق برامج سياسية لها نكهة جديدة وقادرة على أن تكون مشاريع سياسية لها مستقبل جماهيري, أم أن عملية إنشاء حزب جديد أصبحت بمثابة إنشاء جمعية أو منظمة أو صحيفة أهلية أو قناة فضائية أو مدرسة أهلية أو معهد لتعليم اللغة الإنجليزية؟.. فقد يفكّر مجموعة من السياسيين أو الناشطين في إنشاء مشروع تشاركي, وينتهي هذا التفكير بتغليب إيجابية إنشاء حزب سياسي على غيره من البدائل الممكنة, ثم يستمر هذا الحزب في التناسل النخبوي لا الجماهيري, وذلك حين يقال: إن فلاناً اختلف مع شركائه في الحزب الفلاني فانفصل عنهم وكوّن حزباً جديداً, أو حين تسمع أن حزباً واحدًا تحلّلت منظومته، فانشطر إلى بضعة أحزاب, كل حزب ليس أكثر من نملة وهنانة تريد أن تحرّك جبلاً أشم!! على الرغم من ذلك, لا أستطيع أن أقول عن الأحزاب الجديدة إلا أنها ظاهرة صحية تعكس وعياً مدنياً متزايداً ومبادرات ترسّخ للتجربة الديمقراطية في اليمن؛ لاسيما تلك الأحزاب التي تخلقها أفكار نشطة في عقول شبابية, وجرى إنضاجها في ضوء متغيرات الواقع والوقوف على ثغراته, وأنا ممن يؤمن بأن حزباً نخبوياً ليس له وجود حقيقي في الشارع خيرٌ من مجاميع أو ميليشيات كبيرة مسلحة تحظى بتأييد واسع. لكننا في حقيقة الأمر لانزال نتوق لتجربة حزبية استثنائية تكسر مركزية القطبين التقليديين «المشترك وحلفائه والمؤتمر وحلفائه», وتنجح في التعبير عن شخصية مستقلة تستطيع أن تقنع بها جماهير غفيرة تستعصي على الاستقطاب الحاصل ولا تزال بانتظار نخبة جديدة لا تُولد في مقرات الأحزاب أو سراديبها التقليدية في المؤسسات, وإنما نخبة مهنية تولد في دوائر الإنتاج ودور المعرفة ومراكز البحث ولا تعرف غير الموضوعية وتمتلك القدرة على تقديم وصفات جديدة لكيفية إدارة التوازنات السياسية على أسس مهنية تنجح في القضاء على أسلوب المحاصصة الذي يستمر جثومه على صدر أي صيغة سياسية, فنحن لم نعرف المحاصصة في ظل التوافق السياسي اليوم فحسب, وإنما عرفناها في ظل الديمقراطية التنافسية, بل إنها ولدت معها, وربما ستظل رفيقتها في المستقبل ما دامت الأحزاب الجديدة مصرةً على الانجذاب إلى أحد القطبين, أو التلاشي والاختفاء في المرحلة الورقية قبل أن تصل إلى مرحلة المادة الصلبة القابلة للذوبان في اتجاه ما. إن حاجتنا اليوم لأحزاب قادرة على النمو لتخفيف الضغط على هذا المشهد السياسي المتضخم, ولتكون بمثابة رئة جديدة تتنفس من خلالها العملية السياسية, فلسنا بحاجة إلى أحزاب تظل كسيحة وكأنه يجري حقنها بأدوية مضادة للنمو, فلا تعي كينونتها إلا حين يجري إتمام شيء بدون الالتفات إليها فتسارع إلى رفع عقيرتها بالقول: لماذا يجري إقصاؤنا؟ نحتاج حزباً لم ينسل من أي عباءة حزبية موجودة, حزباً كأنه مقطوع من شجرة – إن صح التعبير - ليس له أي ماضٍ يستحضره في سياق التنافس مع الآخر, أو يستحضره هذا الآخر ليجره إلى استهلاك عملية التنافس في صراع غير شريف. نحتاج حزباً وجد نفسه فجأةً بين ركام هذا الواقع المأزوم, فنظر في متطلبات المستقبل, واخترع لنفسه اسماً وبدأ يمشي بخطى ثابتة لا ينظر إلى ورائه, وإذا استقل مركبةً فهي مركبة ليس فيها جهاز العودة إلى الخلف, أقصد العودة إلى الحسابات الأيديولوجية وتاريخ الخصومات التي اعتادت الأحزاب الكبيرة أن تعيش بها هذه اللحظة, بل وبالشخوص أنفسهم, وكأنها مصرةٌ على أن تظل بتلك النفسيات وبطابع التفكير نفسه, وبأسلوب العمل نفسه, ومع ذلك تؤكد قدرتها على صناعة التغيير الذي لم نصل إليه حتى الآن. [email protected]