الكثير من النخب الجنوبية يطرحون اليوم خطابًا واعيًا أكثر صراحة وأكثر قدرة على تحديد حجم المشكلة التي دخلت فيها دولة الوحدة .. وللحقيقة فإن وجاهة كثير من الآراء وعمقها السياسي ومصداقيتها في حمل القضية استطاعت أن تقنع كثيرًا من المتابعين بأن من حق القضية الجنوبية أن تتجاوز التوصيف الحقوقي والمطلبي لها إلى التوصيف السياسي, مع أنني مثل غيري كنت أكثر ميلاً إلى حقوقية هذه القضية, لاسيما أن تداعياتها المبكرة في عام 2006م كان يقودها وعي حقوقي حمله مجموعة من الضباط المسرّحين من وظائفهم والمقصيون في وظائفهم. طبعًا القضية شهدت متغيرات زادتها تعقيدًا في 2009م و2010م, وحين جاءت الاحتجاجات الشبابية في 2011م عملت على إنضاجها وربما تقريبها من الحل, بما أفرزته هذه الاحتجاجات من تسوية سياسية للأزمة كان من أبرز ما فيها إيجاد حل عادل للقضية الجنوبية. إن الجنوب اليوم يستعصي على التكلس أو التقوقع تحت أي فكر شمولي مهما كانت دواعيه .. فالجنوب اليوم يعيش في إطار صيرورة اجتماعية أفرزت جيلاً جديدًا يعرف طريقه إلى المستقبل, ولذلك فهو قادر بالحوار الوطني المرتقب أن يصنع التحولات, ولَكَم يزداد إكباري وإعجابي بتلك الآراء الجنوبية الشابة التي تحمل همّ الوطن الكبير, وهو ما يجعلني آمل أن يسعد اليمن كله بسببها ويجد طريقه إلى النور, بفكرها الجاد وأفقها الواسع, فنحن أبناء المحافظات الشمالية نبحث أيضًا عن الطريق, ونريد أن نحقق مستقبلاً فاعلاً, وإذا ما خرج مؤتمر الحوار الوطني برؤى نوعية وجدنا أنها استطاعت تحقيق النجاح فإننا – ولا شك في ذلك – سنكون أكثر إيمانًا بأن نخب الجنوب وقياداته هي سر النجاح ورائدة التحول المشرق .. أقول هذا وأنا مدرك تمام الإدراك أن الفكر الذي يحمله كثير من النخب الجنوبية ليس فكرًا متقزمًا, وإنما هو وعي حضاري حالم وفعل نشط صدر عن إرادة شعبية لقهر كل عوامل الانحطاط من فساد ونهب وإقصاء؛ ومن ثم صناعة النهوض. لهذا كله ستأتي المحافظات الجنوبية إلى الحوار لا لتقرأ الماضي وتعيش في عالمه ولكن لتقرأ المستقبل بعمق, وهو ما ينبغي أن يدركه كل من يرى الجنوب مجرد “قاصر” لا بد من تسليحه ليعيش ويدافع عن حقه .. هذا التصور هو ما نجده عند تلك النخب الفاسدة التي تريد أن تسحب البساط من تحت أقدام حملة هذه القضية والمؤازرين لها, بما يشير إلى أنها تريد للقضية مستقبلاً عدميًا, فهي تصر على السلاح والإرهاب ولغة الكراهية والمناطقية لتقطع الطريق على الجيل الجديد من النخب من أن يحققوا بالنضال السلمي والخطاب العقلاني الإنجاز الذي يُسَرّ به أبناء المحافظات الجنوبية, هذا من جهة, ومن جهة أخرى فإن هؤلاء الفاسدين لايزالون مصرين على التعامل بتلك العقلية المناطقية التي كانت تدير الصراع النخبوي في الجنوب, وكأنها بذلك تريد اليوم أن تقطع الطريق على الكل: جيل الأمس وجيل اليوم, لتظل القضية عالقة وبالتالي تستمر في المتاجرة بها في الخارج إلى أجل غير مسمى, وهذا ما وجدنا الأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي ينبه إليه لدى زيارته عدن في الأسبوع المنصرم, مؤكدًا أن القضية الجنوبية بحاجة إلى الحل العادل والجاد بما يضمن الحيلولة دون المتاجرة بها, وهذا التأكيد – في نظرنا – يأتي خلاصة لما تجمع عليه كثير من القيادات والنخب الجنوبية وتقتنع به جماهير المحافظات الجنوبية. أنا على يقين أن الجيل الجنوبي الجديد والنخب التي تقوده أو تتفاعل معه لن يسمحوا لأية أجندة تريد أن تتخذ من قضيتهم سلعة للبيع والشراء أو للإقراض/ البحث عن داعم, فأبناء الجنوب مدنيون بطبعهم وأكثر إيمانًا بقيمة الوقت في إصلاح الوضع ومتابعة طريقهم نحو النهوض والتطور, ومن أجل ذلك فإنهم اليوم – نخبًا وجماهير – يدركون أنهم في موقع المسؤولية التاريخية للبحث عن صيغة سياسية عقلانية تكسبهم القدرة على السير في ذلك الطريق التنموي بهدوء وأمن وسلام, فمدينة مثل عدن ما حباها الله بهذا الموقع وتلك الإمكانيات الاقتصادية لتحارب وتشهد عمليات قتل وترويع للآمنين, ولكن لتنمو وتتقدم وتحتضن كل المناطق والطوائف والأعراق .. هكذا كانت منذ خلقها الله وهكذا هي الآن وستظل كذلك إن شاء الله. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك