إنه لأمر عجيب أن تتزحزح عقيدة التغيير من قلوبنا ليحل محلها حسابات عدمية تنشغل بقضية “التمثيل المناطقي في توزيع المناصب العسكرية” وكأن الشعب اليمني قد مات ولم يعد له بقية باقية غير منطقة في الشمال ومنطقة في الجنوب؟! نحن اليمنيين ولدنا - من جديد - من رحم التسوية السياسية, وها نحن اليوم نعيش في ظل الوفاق الوطني بقيادة المناضل عبدربه منصور هادي, فكيف لنا أن نسمح بسريان هذا التضاؤل والتقزم ونحن نتعملق في كل يوم يمر من العمر المديد للمبادرة الخليجية؟ إن ما جرى ويجري اليوم من فعل وطني بقيادة الرئيس عبدربه منصور هادي هو في نظر الجماهير خطوات واثقة لإعادة الثقة بين اليمنيين (انتماءات وتوجهات وجغرافيا) .. وفي قرارات الهيكلة وما قبلها من القرارات وجدنا هذا الرجل عقلاً مؤسسيًا يحرص على لم الشمل ووحدة الصف وتغليب المصلحة الوطنية العليا, وهو في كل ما يتخذه من خطوات تسانده إرادة شعبية وإقليمية ودولية, وما دام الأمر كذلك فلا خوف من أي صوت يرفع عقيرته محتجًا على هذه القرارات من منطلق مناطقي تسيطر عليه فكرة الهيمنة, فهذا صوت مأزوم, لكن لا ينبغي أن يكون مبررًا لاستنهاض فكرة المواجهة على طريقة (إياك أعني واسمعي يا جارة) فإن هذا الاستنهاض هو الآخر خطاب يتعامل بأدوات الماضي, لا يليق بزمن التغيير ولا يخدم مسار الوفاق الوطني .. وإن مثل هذا الخطاب لو سكت عنه الجميع فسيدخلنا في نفق أشد إظلامًا من نفق صيف 1994م ونفق 2011م فانتبهوا يا أولي الحل والعقد. من المسؤول عن جرنا تحت التخدير إلى هذا الفراغ والتنبؤ بمسار آخر للصراع؟ .. نعم, من الطبيعي أن تختلف وجهات النظر بين مؤسسة الرئاسة والأطراف المشاركة في قيادة المشهد اليمني اليوم, بل قد يكون هذا الاختلاف طريقًا آمنًا للوصول إلى الغاية الوطنية الواحدة, ولكن يبدو أن هناك أجنحة تريد أن ترفرف وتضج على الرغم من أن قدمي “الصقر” قد رسختا في الأرض وعينيه تجولان في الأفق باتزان وانسجام. كم هي المناطقية مقيتة ونتنة حتى وإن تلبست بلبوس حقوقي يطالب بعدالة التمثيل.. ولذلك فأنا لا أتقزز من معادلة (شمالي وجنوبي) فحسب, وإنما أتقزز أيضًا من أي صوت يغرد خارج السرب ويدعي أنه يحب “تعز” حين يقول: إن هذه المحافظة مهمّشة في القرارات , لاسيما في قرارات الهيكلة. بعض الصحف تتحدث اليوم عن “تمرد جديد من داخل البيت اليمني الجديد.. خلافات حادة.. مناورات هيمنة وعصيان.. استعداد للمواجهة.. تجييش وتأليب” هكذا هو الإعلام دائمًا.. يهرف بما لا يعرف.. يكذب في 99 ويصدق في واحدة مثلما هم المنجِّمون, فجوهر الخبر قد يكون صحيحًا ومقبولاً “مثل أن يقال عن وجود خلاف حول قضية ما بين مؤسسة النظام وأنصار الثورة الشبابية من القادة العسكريين”, ولكن هذه الحقيقة تتميع بجملة من التحليلات والظنون والروابط الخادعة بين الأحداث على أساس مناطقي جهوي, وبالتالي تُسوَّق إلى الجمهور على أنها حقائق واقعية مسربة فيصدق ما تقوله وقد يبني عليها موقفًا, وأيًا كان الأمر فإن استقرار المجتمع لا يسلم مما تثيره هذه الأخبار من صخب وضجيج, لأنها تعزف على وتر المنطقة والجهة وهيمنة هذا وإقصاء ذاك. فلهذا أقول: دعوا مناطقية اليوم فإنها في زمن التغيير أنتن من مناطقية الأمس. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك