كانت سهرة سحرية البارحة لمواجهة بؤس المقايل الاعتيادية، المقايل المكرّسة للنميمة أو لاستعراض أحداث السياسة التي تضاعف من نكبة هذا المجتمع غالباً. كانت سهرة معاندة وحميمة انتشينا خلالها أنا والزميل العزيز محمد عبده العبسي، محاولين استرداد عافيتنا الوجدانية من خلال الاستئناس بروح أنسي الحاج الإبداعية الخلابة التي تسبر الأعماق والدلالات بإمتاع مشوّق قلّ نظيره منذ زمن في واقع الثقافة العربية. ولقد زاولنا لذّة الحفر الشاق في منجم المعزوفات الكوكبانية البارعة والنادرة للحارثي أيضاً، كما احتفينا - كأطفال أو مجانين لا فرق - بمضامين رواية «التائهون» للعبقري أمين معلوف، الرواية الدرة والفريدة للروائي الضالع والمتفوّق الذي يتضمّن منجزه الثري أعظم روائع الروايات العربية التي ترتقي إلى العالمية بجدارة واستحقاق. في السياق استطاعت تجربة يسري فودة البارزة أن تمثّل بالنسبة لهواجسنا الشغوفة فرصة مناسبة لنغوص مجدّداً في المجاهل المتعدّدة للحقيقة وللأحداث الملتبسة بشكل خاص، لنجدنا فجأة في تمام الاستمتاع باستعراض حلقات مهمّة من أرشيف برنامجه المتفرّد «سري للغاية». والحاصل أن أثقال السياسة اليمنية الكئيبة كانت غائبة عن ذلك الليل الصنعائي المحلق، السياسة المحكومة بالهراء في بلد متعوس ومنكود كاليمن، السياسة المأزومة التي حاولنا تجفيف منابعها الملوّثة قليلاً ونجحنا، السياسة التي تعيقك عن الارتقاء والمستشرسة في اجتياح أعصابنا وإتلافها فقط..!!. [email protected]