افترقنا.. ليس بمشيئة القدر أو ظروفه المرغمة بل بإرادة بشرية ساحقة فضلت التمزق الكياني للروح والجسد ..إنها «الحزبية» هذه الحروف التي دائماً ما تعكس الصورة الحقيقية للصراع الإنساني المدمر. حين بدأت رياح المفهوم الحزبي تتسرب إلينا كنتاج سياسي للصراعات العالمية استقبلها أبناء شعبنا بحذر تمتزجه نوع من الغرابة وذرات الفرح المندفعة. كنا حينها في سن الصبا إلا أن صديقي وقريبي الذي كان يكبرني بسنوات قد أشتد إليها حيث تدرك من خلال حديثه عنها «الحزبية» أن الانتماء لها لابد وان يتم بشيء من السرية . في الحقيقة لم نكن بحاجة إليها حتى عند قيام ثورة ال26من سبتمبر لم يكن هناك حزب معين هو من اشعل فتيلها مقابل –حزب الفلاح الألماني- الذي اشعل ثورة الكيان الألماني النازي كون شعبنا اليمني في تلك الآونة كان الكتلة الواحدة التي من خلالها تشكل هدف واحد ومكن من نجاحه أيضاً.. يتضح لنا من ذلك أن الحزبية هي العاصفة التي بعثرت الأوراق من على أغصان الشجر.. المهم فاجأني صديق الطفولة بأنه سينتمي إلى أحد تلك الأحزاب برغم إدراكه من عدم تلاؤمه العمري آنذاك لكن عقيدة التحزب كانت قد بدأت تتشكل كملامح في أعماقه كما أن معرفته لم تكن حينها قد تجاوزت التسمية “الحزبية” التي بدأت جذورها فيما بعد تنمو وبدأ الواقع الريفي ينساب مع مضمون الخطاب الحزبي في غزوه للمكونات القروية حيث كان ذلك قبل تفاقم الهجرة الداخلية والانتشار الواسع الذي وصلت إليه المدن اليوم, وبدأ الناس رحلة التعايش ضمن عملية الفرز والتصنيف الحزبي, وقتها كنت في امس الحاجة إلى تعريف تشبيهي مبسط لها على أن يخلو تماماً من مصطلح الشعارات الحزبية غير المتناسب ومستوى مفهومي العمري, وقد بدأنا بتجميع الكلمات والمعاني من أفواه العقال لنصل إلى نتيجة كانت مازالت مبهمة غير أن رجل كان يصرخ أمام الجميع قائلاً: الحزبية هي من ستولد الحروب الأهلية فيما بيننا وسوف تفرقنا بعد أن نتقاتل من منزل لآخر, ومن نافذة لنافذة.. نعم شكلت تلك العبارة مختصراً مفيداً وقفزة فكرية لدينا لكنا أصبحنا في افتقار إلى ضرورة المعرفة بكيفية حدوث ذلك ولماذا حتى توصلنا إلى مفهوم تشبيهي كان أدق تفصيلاً – الحزبية هي تفنيد المجتمع على هيئة عصابات فإذا اختلفت فيما بينها كانت النتيجة الحرب- .مرت الأيام والسنون ونحن نقترب رويداً رويداً من تلك التشبيهات واصبح صديقي عضواً بارزاً في واحد من وسائل التناحر “الأحزاب” التي لم اقتنع بها شكلاً ومضموناً, وقد بذلت كل جهدي محاولا انتشاله من حافة تلك الهاوية لكن ما حدث له من غسيل دماغ عصف بكل آثار البراءة في أعماقه وأصبحت في نظره من الذ أعدائه, وبهذا تغلبت الإرادة الحزبية على سنوات الطفولة لتكون النتيجة “الفراق”. رابط المقال على الفيس بوك