من يتفكر في المشهد اليمني الراهن , أو يفكر في معطياته التكوينية والحركية سوف يأخذه القلق المشروع إلى تعقيدات الغموض السائد في تفصيلات المشهد المجملة, وذلك أن الفترة الانتقالية انتهت دون أن تؤسس لما بعدها أو حتى تحدد ملامح الانتقال إلى ما يليها من مرحلة ومهام. صحيح أن اليمن أنهى الفترة الانتقالية بالوثائق التي توصل إليها مؤتمر الحوار الوطني, لكن هذه الوثائق تفتقر إلى آلية تنفيذية مزمنة, تتضمن المهام المحددة لتطبيق مخرجات الحوار الوطني, وصولاً إلى إجراء انتخابات رئاسية ونيابية ومحلية بعد صياغة وإقرار الدستور الجديد ثم إعادة بناء الدولة الاتحادية وسلطات الحكم المحلي في أقاليمها الستة على أساس ومرجعية الدستور الجديد. كان اليمن بحاجة إلى خارطة طريق واضحة في تحديد ما بعد الفترة الانتقالية وتأسيسها على شرعية جديدة, تمتد بالتوافق الحزبي زمنياً, وتوسع دائرته ليشمل القوى التي انخرطت في الحوار الوطني من خارج التوافق على التسوية السلمية لملفات الأزمة وتحديداً الحراك الجنوبي وجماعة أنصار الله , والأحزاب الناشئة بعد الانتفاضة الشعبية, وخلال الفترة الانتقالية. لست خبيراً في الفقه الدستوري, وإن كانت المعرفة المحدودة عندي بعلم السياسة وفن ممارستها, تذهب بي إلى المجتمع الدولي باعتباره الراعي للتسوية السلمية والضامن لعملية نقل السلطة, متوقعاً صدور قرار جديد من مجلس الأمن, يمنح الوضع الراهن بعد الفترة الانتقالية شرعية مستمدة من اتفاق التسوية, وما خرج به الحوار الوطني من نتائج ومقررات, من هذا وعلى أساسه أفهم التسريبات الإعلامية حول مسألة العقوبات التي يبحث مجلس الأمن إصدارها ضد معرقلي التسوية. هذه التسريبات تهيء المشهد السياسي لقرار قد يصدر من مجلس الأمن يعتمد مقررات ونتائج الحوار خارطة طريق مستقبلية ليمن ما بعد الفترة الانتقالية, متضمنة تهديداً بمعاقبة من يحاول عرقلة تنفيذ هذه المخرجات, وتكليفاً لكل من الرئيس هادي وحكومة الوفاق بعد توسيعها بالتنفيذ, خصوصاً وأن آخر بيان من مجلس الأمن شدد على أهمية الانتهاء من الحوار والتوجه نحو صياغة دستور جديد. غير أن الواقع لا يخفي ما يتحرك بصمت في دهاليز الحركة السياسية, فقوى الصراع تتربص بالوضع المتدهور وتتهيأ للانقضاض عليه, بما تملكه من أدوات السيطرة المتعددة والمجهزة بقوة السلاح والمال والإعلام , إضافة إلى الحشد الجماهيري. [email protected]