«1» عجبي لأمّة فضّلت الاستبداد على الحرية، والأمر على الحوار، والظاهر على الباطن، والتدليس على المعرفة، والتكفير على الرأي، والنص على الإنسان، وصرامة وخواء وبشاعة وانغلاق التطرُّف على نضج الانفتاح والتفكير والاجتهاد، وسطحية الاستمتاع المادي العابر وجدانياً وجوهرياً على لذائذ الروح المتأصلة والمتجدّدة بشكل فني وجمالي، وصفاقة العقل البدوي الناقل على العقل الإبداعي الناقد، والكراهيات والأحقاد المذهبية ومصادرة الجدل وتكريس الجهل على التسامح والتعايش والحق في الاختلاف السلمي، وغريزة الثأر السياسي وانحطاط الحضارة وتدهور القيم على تقدم وازدهار الوعي الخلاق والإدراك الصائب، وتوريث بعض الفقهاء للحكم وعدم جواز الثورة ضد الحاكم على الديمقراطية والدولة المدنية والمواطنة المتساوية، وتبجيل الخزعبلات واليقينيات الماضوية الزائفة على المنهج العلمي والتأمل والبحث، وتحريم الاشتغال بالفلسفة والمنطق والعلوم الحديثة على مقارعة الحجة بالحجة، والاستغلال السياسي للدين على تنوير الشعب المتخلّف بسبب هيمنة ذلك الاستغلال الباطش البغيض، وبلادة المصير الجبري المصفّد إرادياً بعار الأغلال التاريخية على تشرُّب الحس لمقتضيات الحقيقة بشفافية الانكشاف على الذات في مواجهة تحديات ورهانات اختراق الحجب والمجهول، وعدم الإصلاح الديني المفترض - من أجل المستقبل المحفّز اللائق والمشرّف - على تبرير كل تخلفنا المتراكم هذا بأنه يمثّل حماية أكيدة للدين وغيرة عليه أيضاً. «2» عجبي لأمّة قهرت وغرّبت أبا ذر، وجلدت أبا حنيفة وسمّمته، وعذّبت ابن حنبل، وحرقت كتب ابن رشد ونفته، وصلبت الحلاج وأحرقته وذرت رماده، وسجنت ابن سيناء، واتهمت أبا بكر الرازي بالضلالة، وكفّرت إخوان الصفا، وذبحت سعيد بن جبير، وحاربت ابن الهيثم وأصابته بالمس والجنون وضيق الحال، وقطعت يدي غيلان الدمشقي ورجليه ولسانه، كما قطعت أوصال ابن المقفّع ورمتها في التنور وشوتها أمامه ليأكل منها قبل ميتته الفاجعة..!!. أمّة عجيبة قتلت السهروردي، وقمعت الهمداني وعزّرت به؛ في حين تعقّبت كتابه الريادي الضخم «الإكليل» حتى صادرت أغلب أجزائه، وقاتلت المطرفية ونكّلت بها وهدمت منازل أتباعها وأبادتهم وسبت نساءهم وأطفالهم وردمت آبارهم وصادرت ممتلكاتهم ومحت فكرهم التجديدي في التاريخ اليمني عبر مجزرة جماعية رهيبة ومأساوية، وحاكمت علي عبدالرازق وقامت بفصله وتجويعه، وطُعن فيها نجيب محفوظ، وقامت بتشويه عبدالله القصيمي وهاجمته وحجبت مؤلفاته كزنديق، وأرهبت نصر حامد أبوزيد وسيد القمني وأبوبكر السقاف، وأودت بحياة فرج فودة وبختي بن عودة وجار الله عمر وشكري بلعيد بشكل مروّع شديد الوبال على أحلامنا الجمعية حالياً في تحقيق التعبير والمعاصرة والرؤية العميقة وتكريس تقاليد نهضوية في احترام الرأي الآخر والمشترك الإنساني وتكوين بُنية ثقافية سليمة ومُنصفة ذات حمولات متجاوزة تتخطّى حواجز التمترسات والنمطيات والبُعد الأحادي والعنف. [email protected]