حيثما يسكن الحب يترعرع الجمال العاشق للورود والفراشات، وتجود الحياة معها بمغانم العطاء ونسائم الهواء والهوى، وعندما تنقش أنامل الأكف تلك الأرض وتغزل من وحي الروح تباشير من مسك القبل.. تنساب الدموع وتذوب الشموع في ليالي الشتاء، و لا تموت أبداً أحاسيس الدموع طالما لمواعيد اللقاء سمر، بل تسكن هناك لتبوح بوحي شجونها، وعفوية جنونها، وبين المدى الغزلي القمري، وبهجة الحضور، تسكننا الهواجس، ويلمز الزمن ويهمس متسائلاً: كيف للقهر أن يكون معلماً في واقع حالنا المنكوب؟ يا وجع الكروب كيف لمن يحملون براكين الكره أن يبقوا في مقدمة الصفوف يا شمس الغروب؟، لمَ التباكي يا خصوم وأنتم الترف الشؤم، تهللون وتكبرون ،تتنادون وتتقاطرون، وتنصهر أحلامنا خلف جحيم أفاعيلكم، وأنا هنا أقول لكم: ماذا جنينا وجنت الأمة من بعدكم؟، غير الخراب والدمار يا أزلام العداء، كم من غلو تحملون في صدوركم؟، وكم من قهر خلف قضبان سجونكم؟، وكم تفرحون أعداء شعوبنا وأوطاننا؟. يا من تسمّون أنفسكم ثائرين وبراكين وغائرين، هل أحصيتم العدد وبما خلفت أفاعيلكم من مواجع ونكد؟، أكنا بحاجة إلى هذا الخراب الذي نراه اليوم يا غدر القوم؟، كم من دموع تغادر المقل حزناً لفراق أعزاء بعمر الورود؟، واليوم لمن نلبس الحداد؟ يا من حملتم نعش التآمر والتقامر، هل لمدننا المدمرة؟ أم لنعوش حروبكم المستعرة ، كم يبكي الزمن قهراً وبما أنتجته أفاعيل عقولكم وأيديكم، ثمة مواقف تذكّرني بما جادت عقلية جدتي، التي تقدمت عن عقلياتكم سنوات، ولم تشفع لكم خطاباتكم وخطبكم من أقول اليوم أن عفويتها أفضل بكثير من خطبكم التي تسعر للحروب.. ذات مرة قالت لي جدتي «رحمها الله»: الحقد دار خراب مهجور يسكنه الفجور، أما الحب دار عامر بالصفاء والوفاء، لا قهر يسكنه ولا نكد يسجنه، نعم يا جدتي إنه مسكون بهمس الفراشات وغزل الرند، وقبل الورود للخدود. تذكرني جدتي من أن «الجنة» سيكون الكثير من روادها ممن يحملون في قلوبهم كنوزاً من طهارة السلوك وسمو الأرواح، وفوحيات المسك المسكون بالحب لوجهه الكريم ولمن يحب، سيكون روادها من العقلاء الذين يغرّدون مع تسابيح الطيور وهم يسابقون الأرزاق ويتوكلون ولا يتواكلون، إنهم أكثر إيماناً وأكثر ثقة وبما تهبهم الحياة من عطايا العرق، تلكم الأسوياء الأطهار الباحثين عما تجود السماء من كسرة خبز وماء، لو أن الدنيا كلها حركت غرائزهم باتجاه السعير الذي يقوده ثلة من حملة البنادق وعشّاق الخنادق، لن تتحرك بهم أقدامهم زحزحة خطوات، لأنهم يدركون حجم الفتنة، وحجم الجحيم الذي ينازع الحكمة ليحل محلها، لترحل الحياة برمتها إلى ضدية الغرائز الطامعة بالدنيا البائعة للآخرة، نعم سأكون اليوم أقرب باعتقادي والله أعلم، أن البسطاء ممن يعبدون الله ويسبحون بحمده وهم فرادى الوقوف أمامه، لا مطامع تغريهم، ولا دنيا تذل سمو علاقتهم بخالقهم، ولا قهقرى لعزائمهم أمام غول المال وقهر الرجال، عندما تختلط الغنيمة والمكيدة، ويعتلي المنابر دعاة الدين والسياسة على حد سواء دون تمييز، وحينها يبقى هؤلاء الكرماء ثاباتي المواقف، بأن صاحب العطاء هو من يستحق الثناء دون غيره،وهنا يبقى الخير على مساحة صادمة بين نزاعات محبي المال والسلطة المتطاولين في البنيان الغارقين في وحل الحال - والجهلاء التابعين عندما تغريهم حاجة المال وعطايا الأرذال. اسمحوا لي أن أطرح السؤال الآتي لكل ذي عقل: عندما كنا منذ زمن نحارب أعداء أمتنا كم خسرنا من جنود وعدة وعتاد؟، كم يساوي مما نخسره اليوم ونحن نحارب أنفسنا دون هوادة؟، كم حجم الثأرية التي تسكن القلوب اليوم؟، وكم نحتاج من السنين لإماطة الأذى البيني، سواء بين أسوار المدن أو المنازل أو الأوطان؟، كم نحتاج من العمر لإعمار النفوس التي تعيش صدمة الهزيمة الذاتية اليوم؟، كم سنتذكر نعوش الأحبة والجيران والخلان؟ ممن أزهقت أرواحهم فتنة اليوم، ماذا سيكون عليه حال التاريخ الذي سيكتبه كتّاب اليوم، عندما يخضبون صفحاته بالدموع والدماء على حد سواء، وماذا عن الأجيال التي ستأتي لتقرأ التاريخ، لمن سيصفقون وبمن سيفتخرون؟، أنا هنا لن آخذ برأي التاريخيين والكتّاب من عشاق الضدية، لأني أعلم مسبقاً بأنهم سيزوّرون ويحشون كتاباتهم بمعارك يسمونها عبطاً وقهراً بطولات، وتلك هزائم وبكاء وسقوط في الوحل، هكذا التاريخ في الغالب يكتبه عشاق الزور، إلا القليل منه عندما يلقى نافذة ويخرج للعلن عند موت مولى النعم، أو عندما يكتب الكاتب صفحات من التاريخ ويعلم جيداً أن موعده والحصير الذي يلتحفه جسمه سجن أولئك الأزلام، إذن إنه الخسران المبين أيها القوم من عرب اليوم. ماذا سيكتب إخواننا المحققون في الوقائع عن تلك الفجائع؟، عندما يتجردون من التابعية لهذا الطرف أو ذاك، إنهم سيكتبون عن الحقيقة أو جزء منها، ولن تنثني عزائمهم أمام غول الحاقدين، الفاقدين لمشاعرهم وأحاسيسهم، وأتساءل هذه المرة وأوجه سؤالاً إلى جماعة «الإخوان المسلمين»، أي نصر ستكتبون عنه؟، وأية معركة خضتموها ليكتبها التاريخيون بحروف من ذهب عنكم وعن بطولات غزواتكم؟، أكنا بحاجة إلى كل هذا الخراب الذي أتى على البنان والبنيان، بل وثروات الأوطان؟،عن أية ثورة ستتحدثون عنها، وأية ثورة سنعزف لها الألحان اليوم بعد أن أتى الغزاة «الذئاب» وأكلوا أغنام القوم ، وأكلوا الراعي معها؟، ماذا سيكتب التاريخ والمدونون يا أنتم؟، أهناك ما يفرح في مسيرة الحياة المثقلة بالمواجع؟، نحن معكم إن بعض حكام العرب مستبدون ومتسلطون ودكتاتوريون، لكن كيف نعالج الوجع بكارثة أدهى وأمر، وكما نرى من هول الخراب والفاجعة، على الأقل كنتم ومشروعكم أمام صنع نموذج تغيير يستحسنه الجميع. وعندما يرون طابع سلوككم السياسي وأداءكم ينبهرون، وسيكون التغيير ممكناً حينها في كل الدول،أما بهذا الحجم من الكارثة لا أحد اليوم يصفق لكم، بل أنتم من تخسرون من رصيدكم. رسالتي الثانية إلى: حوثة اليمن وكذا كل المسميات التابعة للمعسكر الإيراني، أيّ مشهد بطولي سطرتموه اليوم؟ وعن أية بطولات ستكتبون عنها بأقلام الرصاص؟ ومشاهد الجراح رصاص ونعوش، كيف لأيّ قاتل في هذا الزمن أن يكون شاهداً وبطلاً وقائداً، إنه زمن الخديعة والخداع إذن، إني أبكي وطني العربي كله اليوم ممن يهشمون وجه الأوطان بفعل أيديهم، ومن ثم في وسائل إعلامهم يتحدثون إنهم ينفضون غبار الزمن عن سماء أوطانهم ليس إلا، وهم على يقين إنهم يهشمون تلك الوجوه ويغتالون الحرية، إنه زمن لا مكان فيه لصدق الرجال أمام غول المال، والتهافت على جلب الأرزاق باسم الطائفية والمذهبية.. حماكِ الله يا يمن، والله من وراء القصد.