الولاية والخلافة أشدُّ وطأة على العقل العربي من الصهيونية، السياسة والديمقراطية «أساس الدولة المدنية المنشودة» حرّرتا الدين والمجتمع من كهنوت رجال الدين. أنا لا أريد أن أفهم الدين كأداة قهر واستلاب شعبي بمقابل أنه جالب امتيازات رثّة لما يوصفون ب«رجال الدين» فقط، من هنا أفهم الدين كمعزّز للعقل وكأدة تحرير روحانية جالبة لحقوق سياسية وإنسانية معتبرة لها أن تمزجنا بالعصر كما ينبغي؛ فضلاً عن أنها تجعلنا ننزّه الدين عن السياسة وبالتالي تفسح حاضرنا للمستقبل لا للماضي. المهمّة شاقة وعسيرة؛ لكن في يوم ما سيتنازل كل حداثي متشنّج كما كل رجل دين مهتاج عن النظرة المتطرّفة لبعضهما، فقوة مظاهر التخلُّف المترسّخ بالعنف وللعنف هي السبب في تأخير تلك اللحظة المنطقية السوية التي ستداوينا من الاختلال الفظيع. فضلاً عن أن الأشكال البدائية في الحكم لا تصلح على الإطلاق لإدارة مجتمعات في القرن الحادي والعشرين؛ وبالتأكيد لا تناقض أبداً بين الديمقراطية والدين. كما أننا مع تعريف العلمانية حسب نصر حامد أبوزيد إذ ان «العلمانية ليست إلحاداً، العلمانية تعني "فصل السلطة السياسية عن السلطة الدينية" وليست حتى فصل السياسة عن الدين». بلغة أخرى حسب مفكّر معتبر كنصر حامد أبوزيد «لابد من التمييز والفصل بين الدين والفكر الديني، فالدين هو مجموعة النصوص المقدّسة الثابتة تاريخياً؛ في حين ان الفكر الديني هو الاجتهادات البشرية لفهم تلك النصوص وتأويلها واستخراج دلالتها، ومن الطبيعي أن تختلف الاجتهادات من عصر إلى عصر، بل من الطبيعي أيضاً أن تختلف من بيئة إلى بيئة - واقع اجتماعي تاريخي جغرافي عرقي محدّد - إلى بيئة في إطار بعينه، وأن تتعدّد الاجتهادات بالقدر نفسه من مفكّر إلى مفكّر داخل البيئة المعينة». والحاصل كما يرى أيضاً أن «لدينا مشكلة هي أننا في استمرار خائفون على الإيمان، كأن ما لدينا هو إيمان معلول يحتاج إلى حماية، الإيمان لا يحتاج إلى حماية لأنه الاقتناع». كذلك تجدنا يوماً عن آخر أكثر احتراماً لنظرة «أبوزيد» الجريئة في هذا السياق؛ وإذ «ربما لا تصل الرسالة إلى الإسلاميين؛ لكن من المهم أن تصل إلى العلمانيين الذين يخضعون للابتزاز الديني في أغلب الأحوال فيتحاشون استخدام مصطلح العلمانية تقية وخشية الاتهام بالكفر والإلحاد؛ لكنهم بهذه التقية يؤكدون بالصمت التزييف الذي كشفناه، هذا إلى جانب أن تركيزهم على مسألة “المجتمع المدني” دون ذكر للعلمانية يؤدّي إلى تزييف مفهوم “المجتمع المدني” ذاته، لأنه لا يمكن أن ينهض إلا على أساس علماني». والأهم من ذلك كله أن تصل الرسالة إلى الجمهور الصامت الحائر بين “الإسلام” و“العلمانية” والمتردّد بالصمت الذي يفضي صمته إلى استمرار الحال على ما هو عليه. [email protected]