قانون الرسوم القضائية، من القوانين الجديدة التي صدرت مؤخراً مستهدفاً رفع قيمة رسوم التقاضي بغرض الحد من كثرة الدعاوى الكيدية؛ إلا أن ارتفاع هذه الرسوم في واقع الأمر لم يحقّق النتائج المرجوة من وراء سنّه؛ إذ لم يؤدِّ إلى الحد من تدفُّق القضايا الكيدية أمام المحاكم؛ بل زاد منها، وكل ما استطاع هذا القانون أن يحقّقه ويفضي إليه هو وضع عقبة أمام شريحة واسعة من المجتمع وهم الفقراء وذوو الدخول المحدودة والمتدنية ممن لا يملكون دفع هذه الرسوم. ومع أن القانون قد أعطى الحق لهؤلاء المعسرين من تقديم دعوة إثبات حالة إعسار للمحاكم، والذي قد يتم إعفاؤهم من الرسوم القضائية المقرّرة في حالة ثبوت ذلك؛ إلا أن إعطاء الحق في رفع مثل هذه الدعاوى لم يكن هو الآخر في صالح المعدمين أو المعسرين بل جاء ضدهم لما يتطلّبه رفع مثل هذه الدعاوى من المتقاضين المعسرين من إهدار وقت طويل في عملية التقدُّم بمثل هذه الدعاوى أمام المحاكم بمختلف درجاتها الابتدائية والاستئنافية والعليا لإثبات حالة الإعسار، والتي في حالة ثبوتها يبدأ المعسر في تقديم دعوته؛ ما يعني أن على المعسر أن يرفع دعوتين بدلاً من دعوى واحدة، وأن يقف في كل درجة تقاضٍ مرتين بدلاً من واحدة، وأن يتحمّل أعباء مصاريف ونفقات محامين مرتين أيضاً. أي أن عليه الإيفاء بالتزامات وتكاليف مادية باهظة، وأن يخضع لضغوط زمنية ومتاعب نفسية وجسدية مضاعفة غير محتملة؛ الأمر الذي لا يسهّل ولا يخدم هذه الشريحة من الفقراء المعسرين لنيل حقوقهم وإنصافهم أمام القضاء، وقد يؤدي بهم إلى الاستسلام والتنازل عن جانب كبير من حقوقهم بعيداً عن المحاكم نتيجة لذلك القانون الذي أثبت أنه يتعارض مع الدستور الذي يعطي الحق لكل مواطن أن يلجأ إلى القضاء للدفاع عن حقوقه والمطالبة بها. مع العلم أن صدور مثل ذلك القانون تحت تلك الحجّة لم يكن ضرورياً، مع ما قد سبق وتضمّنه القانون من حلٍّ للقضايا الكيدية من خلال إعطاء المحاكم الحق في الحكم على أصحابها بدفع غرامات للدولة وللغرماء بما في ذلك التعويض.