حكاية الفتاة أسماء الخارقة الذكاء والقادمة من قريتها الريفية وصولاً إلى كلية الطب بجامعة صنعاء هي واحدة من حكايات الألف الفتيات اليمنيات الأسطورية النادرة والتي تستحق التوقف عندها وتثير رغبتي للكتابة والتدوين. قصة مسيرة أسماء التعليمية وخروجها من وسط واقع مجتمعنا الذكوري السطحي والملوث الذي لم يرتق تفكيره إلى أن يخاطب أسماء بصفتها الحقيقية كان يناديها أخوها الأكبر محمد يا دكتورة أسماء.. أو أن يبادر بالاعتذار إليها زميلها أسامة، ولد أحد رجال الأعمال ويقول لها في يوم التخرج« أنا آسف» بعد أن ظل يلاحقها طوال فترة سنين دراستها في أزقة الكلية ويعاكسها بكل وقاحة دون حياء. أسماء نفسها التي حصلت على 92 % معدل ثانوية.. والمرتبة الثانية في اختبارات قبول الطب البشري.. والأولى في دفعتها في شهادة البكالوريوس. كانت تخرج أسماء مع زميلتها عبير من سكن الطالبات الجامعي صباح كل يوم ويذهبان إلى الكلية بحثاً عن معلومة مفيدة ولديهما طموح وحلم وإرادة. وبينما كانت بقية الطالبات يجلسن للحديث حول علاقاتهن العاطفية كانت تذهب أسماء مع عبير لمناقشة وتلخيص محاضرات اليوم وتتوسع في القراءة والاطلاع من تلقاء نفسها.. لم يكن مع أسماء أحد سوى أبيها الذي يعمل بناءً هناك في القرية ويرسل لها مبلغ 15 ألف ريال شهرياً مقابل مواصلات وسكن وكساء وتغذية وملازم. أكمل أحمد أصغر أبناء عمها دراسة الهندسة النفطية في ماليزيا وصادفت عودته فترة تخرج الدكتورة أسماء مباشرة من الجامعة.. قام بطلبها وصار الاثنان أبناء عمومة وزوجي حياة في وقت واحد. تمكنت أسماء من الحصول على منحة دراسية وانتقل معها زوجها أحمد مجبراً تاركاً مجال تخصصه.. وذلك بحكم انشغالاته مع شريكته أسماء التي أصبحت في ظرف ثلاث سنوات محاضرةً في جامعة إكسفورد البريطانية وتعمل طبيبة في أحد أكبر مستشفيات العاصمة لندن. إن سر نجاح أسماء هو ثقتها بنفسها منذ لحظة وصولها المدينة.. حيث وأنها تعودت على لباس الحجاب كاشفة الوجه إضافة إلى انهماكها في تعليمها لتحقيق حلمها ووفاء للعهود التي قطعتها على نفسها عندما كان يتصل بها أبوها وأمها كل يوم ويطالبونها بالتفوق والدراسة والالتزام بالأدب ورفع رؤوسهم وسمعتهم. لم تسطع الظروف إيقاف إرادة أسماء ،ولم تكن أسماء القادمة من القرية غبية كما كان يعتقد المسكين أسامة عندما قرر البحث عن من يعوضه نقص الحنان الذي يفتقده من أمه ومن أبيه المشغول بالتجارة وليس لديه الوقت الكافي للجلوس معه ومخاطبته بجمل:حبيبي أسامة.. أحبك. مشكلتنا في التركيبة المعجونة للمجتمع.. يستصغر الكثيرون دور الفتاة ويسرقون حقها في التعليم.. الآباء مشاركون في ذلك من خلال عدم منح الثقة والحب والحنان والتشجيع لبناتهم.. هن مشاركات في المشكلة بنسبة كبيرة حيث أصبح الهدف الأول من دراسة الجامعة التخلص من شبح العنوسة وليس التحصيل العلمي بحجة طبيعة التخصصات أحياناً. [email protected]