الحديث عن موضوع المانحين وعلاقتهم ودورهم بعجلة التنمية في بلادنا يحتاج إلى مبررات نفسية وتاريخية علقت بنا وانسحبت مع تاريخنا الطويل في حلبة الصراعات واللا مبالاة، منذ أهملنا القدرة الذاتية الكامنة في الإنسان اليمني والتي تشكّل العنصر الأول والأهم في التحوّل والتغيير المطلوب. ذهبنا إلى قارعة الطريق نستنجد بأول قادم إلينا نسترضيه ونمنيه ونطمّعه فينا، كأن لعنة إصابة تاريخنا المعاصر فقعدنا نتباكى ونندب حظنا العاثر، تكاثرت المصائب والأزمات والأحداث المؤسفة في طريقنا. نصف قرن من المحاولات للخلاص من القصور والتعثرات المتلاحقة، كلّما شعرنا بأننا قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى الدولة والاستقلالية الذاتية والاقتصادية، عدنا نبحث عن فرص للفوضى ومتسع للنوم. اليوم نلاحق المانحين من عاصمة إلى عاصمة ومن منعطف إلى منعطف، لا نستطيع الحوار حول ما يُطرح من شروط وتعنيفات، كل ذلك بسبب فقدنا للبوصلة الحضارية وقصورنا الذاتي والموضوعي عن إصلاح أنفسنا وتحقيق النجاح والتحول دون الاستعانة الدونية بغيرنا. ملتقى المانحين «يترندح» من مكان إلى آخر كأن خلف دهاليزه تقف الكثير من المطالب لهذا الطرف أو ذاك في الوقت الذي نحن بحاجة إلى استجماع كل قوانا وإمكانياتنا من أجل إعادة هيبة الدولة وسلطة القانون وحضور المجتمع والدولة في ميدان التحول والتغيير. الخوف كل الخوف ألا تكون الحكومة مواكبة لكل ما يُطرح من قبل المانحين لانشغالها بتبايناتها وصراعاتها الداخلية المستمرة التي تتسرّب إلى الشارع كل يوم وبصور مختلفة ومزعجة. استبشرنا بأستاذنا المخضرم محمد سالم باسندوة خيراً حين أوكلت إليه مهمة قيادة الحكومة اليمنية بعد التغيير الربيعي والتحولات الإقليمية والدولية المشجعة والداعمة للتنمية والنهوض وعودة الروح الاجتماعية للفاعلية والمشاركة بعد سنوات طويلة من الغياب والفاعلية، لكن صراعات وخلافات حادة وفرز للمواقف وتكتلات مشبوهة مع هذا الطرف أو ذاك وارتهان إلى أطراف ومحاور وصراعات قبلية ومناطقية قد كانت هي السبب في إعاقة الحراك والنهوض الوطني والتحول الاجتماعي خلال العقود الماضية وحتى اليوم. الدول المانحة لكي تبادر في تقديم تعهداتها وبدون مماطلة أو تسويف تحتاج إلى حكومة قوية مؤمنة بالوطن قبل الحزب والقبيلة والمنطقة، تبني الدولة ولا تتأثر بالعلاقات وضغوطات المصالح الشخصية والحزبية. نتمنى أن نتجاوز عنق الصراعات لنخرج إلى دولة المؤسسات واحترام الذات الحضارية والتخلّص من حالات الارتهان والدونية، أجيالنا تستحق أن نكون عند مستوى المسئولية التاريخية والأخلاقية، فهل إلى ذلك من سبيل؟. [email protected]