في عصرنا الحاضر مثّل الحوار جسراً ضرورياً للخروج من دوامة التأزم والصراع السياسي والاحتقانات الاجتماعية، في الوقت نفسه يؤسس الحوار العلاقة بين الإنسان وقيم التعايش الاجتماعي؛ لأن التكامل بين القوى السياسية المختلفة في المجتمع أمر حيوي ومحوري لا مفر منه، ولا غنى للمجتمع والدولة عنه. في ظل الحوار الوطني تتكون وتتهذب قناعات الجميع بأهمية اللغة والثقافة الحوارية المشتركة والمستمرة القائمة على الشراكة داخل المجتمع، تعمل على ترسيخ الثوابت والمفاهيم التي يحتاجها المجتمع لبناء الجانب الوجداني والضميري والروحي والمعرفي لدى أبنائه، من أجل تعايش آمن ومستقر للنسيج الاجتماعي وبناء وعي جمعي يحترم حق الاختلاف، يفسح المجال أمام حرية الاختيار، يحمي أبناء المجتمع من التوظيف الخاطئ والاستنبات الفكري المنحرف أو المتطرف من قبل هذه الجماعة أو تلك، في الوقت نفسه يجعل الفرد والمجتمع والمؤسسات شركاء في خدمة التنوع والتعدد الفكري والسياسي، خال من التعصب أو التطرف أو كراهية الآخر المختلف معه. إن الحديث في موضوع يتصل بالحوار الوطني ينبغي أن يتطرق إلى قيمه ومفاهيمه ووسائله على هدي المواطنة الصالحة والولاء بعد الله للوطن، ومن ثم تنزيله في الواقع المعيش اليوم. ليس بالأمر الهين على الإطلاق في وقتنا الحاضر أن يتجاوز الجميع أهمية نجاح الحوار الوطني، نظراً لاتصاله بأمن واستقرار ونجاح اليمن في تجاوز المحنة التي تحاول أن تتجدد بين الحين والآخر، في خضم هذه الخارطة من الهموم اليمنية. لابد أن تتحمل القوى الوطنية مسؤولياتها التاريخية والأخلاقية والحضارية سعياً إلى إعادة بناء وعي الإنسان اليمني لاستيعاب حاضره وتدريبه على استشراف تفاصيل مستقبله، حتى لا تنتصر التحديات وتطغى الفوضى. الحوار الوطني ضرورة اجتماعية وإنسانية بين فرقاء العمل السياسي في الساحة اليمنية، لبلورة القناعات اللازمة لسد ثغرات الصراعات الناشبة أو المحتملة، لخلق التعايش الآمن والتعاون والتنمية المستمرة داخل المجتمع بدون خوف أو عدائية مفرطة. تمثل المرحلة اليمنية المعاصرة والنجاحات التي تحققت حتى اللحظة الفرصة السانحة لإعادة بناء المجتمع اليمني الجديد الذي ننشده، من أجل قبول حقيقي وفاعل للتغيير الاجتماعي، التربوي، الثقافي والسياسي؛ حتى لا يبقى الحوار الوطني عالقاً دون أن يتجاوز ذلك المربع المتأزم والفعل الاجتماعي السلبي؛ لأنه لو بقي على تلك الحالة لن يلامس - وبشكل فعلي - التغيرات والتحولات التي مر ويمر بها اليمن في المشوار الذي قطعه بين نجاح الثورة وبناء الدولة. سيسهم الحوار الوطني في نجاح اليمن في المشوار والتعاطي والمدافعة الإيجابية مع التغيير من جهة والحفاظ على سلامة وتماسك المجتمع من جهة أخرى، وتشكيل المدخل المطلوب واللازم لتقييم الذات الحضارية المنسية في قاموسنا اليمني حتى اليوم. إن التحديات التي تواجه اليمن اليوم في كل منعطفات حياته تحتم على الدولة والمجتمع، السلطة والمعارضة العمل على إعادة بناء المؤسسات الوطنية عبر الحوار الوطني المعتدل والمسؤول، باعتباره المخصب الأول للتنوير والتغيير والتجديد المطلوب. مطلوب من كل القوى الوطنية بلورة منهجية مرنة ومتفق عليها للحوار الوطني بحيث يستوعب الجميع، مع ضرورة تولد علاقة تكاملية بين تلك الأطراف والمؤسسات واستحضارها القدرة والكفاءة اللازمة لإعادة احترام حق المشاركة بدون إقصاء أو تخوين؛ سعياً إلى خلق التعايش والتآلف والتعاون المثمر إنسانياً قبل كل شيء. إن التحديات الراهنة تترصد اليمن من كل اتجاه، كما أن قيام كل بدوره سيعمل على تسهيل عبور الأفكار والآراء والإصلاحات والسلوكيات الإيجابية كي تصل إلى المحاكاة الحقيقية للواقع المعيش لننهج الطريق المؤدي إلى اللاعنف واللاتطرف واللاإقصاء واللاتهميش للآخر، مهما بلغت درجة الاختلاف أو التنافر معه، ففي ذلك التوافق يكمن سر التفوق وبلوغ مستوى الأفضلية الحضارية والإنسانية. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=454685591237188&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1