تطلُّ علينا في اليمن بين الحين والآخر بعض وسائل الإعلام الوطنية حاملةً بيانات أو تصريحات أو أخباراً تعلن عن إنشاء وظهور تجمُّع قبلي جديد يضم في إطاره تحالفاً لعدة بطون أو فخوذ في إطار قبلي ما أو تحالف لعدة قبائل ضمن إطار جغرافي واحد. ومثل هذه الإعلانات تكون دائماً مصحوبة بشروحات توضّح دوافع وأسباب تكوين هذا التجمُّع وأهدافه وبرامجه ورسالته وغيرها من التفاصيل التي تكاد أن تكون متطابقة في مضامينها ومفاهيمها ومحصورة ضمن شعارات وأهداف وطنية عامة وبرّاقة فُصّلت بعناية تامة لتكون رداءً وطنيّاً تختفي خلفه حقيقة هذه الكيانات ومكوّناتها العصبوية. والاستثناء الموجود هو في طبيعة العناصر القبلية المكوّنة لكل تجمُّع ورموزه القيادية وإطاره الجغرافي، أو ما يصاحب إنشاء بعضها من حملة إعلامية دعائية سياسية وحضور إعلامي مكثّف مدفوع الثمن. كثيرة هي التجمُّعات التي تم الإعلان عنها وتعدّدت مسمّياتها؛ إلّا أن بعضها لم يخرج عن إطاره المعنوي، والبعض مات قبل ولادته، والبعض الآخر تحوّل إلى كيان مسلّح يمارس ما يشبه "التمرُّد على الدولة والمجتمع" ويقوم بمحاصرة قوات الشرطة والجيش والمنشآت الحيوية ذات الطابع الاقتصادي أو قطع الطرق وغيرها من الممارسات. وإذا ما عدنا إلى الأرشيف سنجد مسمّيات متعدّدة يصعب حصرها في هذا الحيز؛ هذه التجمُّعات تمثّل أحد الأشكال المعاصرة للصراع المعتمل بين القوى الاجتماعية الحديثة والقوى التقليدية القديمة التي ترفض القبول بحقائق الواقع ومتغيراته، وتصرُّ على الاستمرار في الحفاظ على قوة نفوذها وسيطرتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ولعب نفس أدوارها السابقة في العملية السياسية وبنفس أسلحتها القديمة، ولكن بارتداء الأقنعة الديمقراطية وتحت مظلتها. وما يعتمل اليوم من محاولات لإعادة إحياء دور ومكانة القبيلة في اليمن كقوة ضغط على النظام السياسي؛ لا يمكن فصله عن السياق العام لتاريخ اليمن السياسي المعاصر، حيث الاستقرار والعلاقات السياسية وتوازن المصالح ظل لمئات السنين قائماً على التوازن في القوّة والنفوذ والمصالح بين ثلاث قوى رئيسة هي: - قوّة السلطة السياسية في المركز بمؤسساتها المختلفة. - قوّة القبيلة في الأطراف. - قوّة رجال الدين وسلطاتهم الروحية. رموز هذه القوى شكّلت بتحالفها قمة الهرم السياسي الاجتماعي المحتكرة للسلطة والقوّة والثروة، وتستمد مشروعيتها وعوامل بقائها واستمرارها من واقع وطني واجتماعي متخلّف تم بناؤه وتشكيله على أساس من الانتماءات العصبية الضيقة والنعرات الطائفية «المذهبية، القبلية والمناطقية والجهوية، والسلالية» التي يسهل من خلالها نشر بذور الصراعات والحروب الداخلية، وإشاعة ثقافة الحقد والكراهية المتبادلة، وإقامة الحواجز الوهمية الفاصلة بين مختلف عناصر ومكوّنات الوطن الاجتماعية والجغرافية على أساس من القناعات الخاطئة والعداء المتبادل. والأهم من كل ذلك هو العمل على عرقلة جهود بناء الدولة المدنية الحديثة، ومنع تواجدها في مناطق النفود القبلي، وإضعاف قوّتها في المناطق التي تتواجد فيها، والوقوف أمام تطبيق الدستور والقوانين والأنظمة، وجعل سلطة الشيخ والقبيلة فوق كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية..!!.