من المتاح في المجال السياسي بيسر تام تحديد الموقف من أية قضية أو حدث, وتجاه أية سياسة وحركة, وذلك لأن الجاهزية متوفرة لتحديد المواقف بسرعة ولاعتبارات عديدة, منها المرجعية الفكرية, ثم الخبرة العملية, ثم الوضوح والمبدئية, وعوامل أخرى. غير أن الموقف السياسي ليس مجرد بيان أو إعلان منشور في وسائط الإعلام, فهو فيما قبله وفيما يترتب عليه مسؤولية سياسية تجاه قضية الموقف وموضوعه, وتحديد للمهام والأعمال وللعلاقات المختلفة بين أطراف قضية الموقف, خصوصاً في مسائل الخلاف وقضايا الصراع.. ولأننا هنا لسنا بصدد دراسة الموقف وبيان ما يتصل به ويحمل عليه من أبعاد ودلالات؛ فإن الأهم في الإشارة إليه هو الملابسات المصاحبة للمواقف الراهنة التي أظهرت إشكالية العلاقة بين الموقف والمعرفة, لا من ناحية جدل العلاقة بينهما, ولكن من ناحية الاكتفاء بالموقف عن المعرفة أو استبعاد المعرفة بالمواقف الجاهزة والانحيازات المسبقة بأحكام الولاء والانتماء. في المجال السياسي الراهن باليمن؛ تتجاذبنا المواقف المعبّرة عن الانتماء والولاء تجاه قضايا الأزمة الوطنية, وتبعدنا عن مقاربة واقع هذه القضايا وتطوّرات وقائعها معرفياً وبحياد وموضوعية لكي نكون على بصيرة منها وإدراك لها, ينقلنا من مجرد الموقف إلى رحاب مسؤولية قادرة على الإمساك بالواقع, والسيطرة على مشكلاته والتحكُّم بحركته وتوجيهها نحو ما نريد لها من حلول وانفراج, يحدث هذا مع قضية صعدة وتطوراتها الراهنة, ومع حكومة الوفاق والفساد, ومع مجمل ملفّات القضية الوطنية. إنهاء النزاعات المسلّحة مسؤولية وطنية لن تؤدّي بفعالية ونجاح إذا تحكّم بها الموقف بعيداً عن الاستحقاق المعرفي الذي ينقلنا إلى مقاربة ما جرى وما يجري بوعي وإدراك للواقع ومتاحات العمل التي نتمكّن بها من إنهاء النزاعات المسلّحة بعدل وإحسان وصُلح بين الناس يجمعهم على الخير العام وينقلهم من جحيم العداوة والاقتتال إلى ربوع السلم والأمان.. على شاكلة ما يسود المشهد السياسي في اليمن؛ يبتعد الموقف السياسي العربي عن الاستحقاق المعرفي لصالح استقطاب سياسي وحزبي يعمّق الفُرقة والانقسام, ويوسّع دائرة الاختلاف كما يباعد بين أطراف العمل السياسي, ويبتعد بها عن الحوار والتعاون منزلقاً بها إلى هوّة الشقاق والأحقاد.. بينما تقرّبنا المعرفة من كل ما بمقدورنا مقاربته بالعمل الجاد والمسؤولية المتحرّكة بروح الحق وأمر العدل والإحسان, فبماذا ينفعنا الموقف المجرّد من المعرفة إذا ابتعد بنا التعصُّب للموقف عن مسؤولياتنا العاملة..؟!. [email protected]